«2» في إطار التحول الديمقراطى المصاحب لدولة الوحدة وما افرزه من متغيرات سياسية عكست تطوراً حداثياً في المجال السياسي ، عبرت عن ملامح ليبرالية داعمة لحقوق المرأة وداعية الى تفعيل دورها في المجالات السياسية والاجتماعية والوظائف العامة وزيادة مشاركتها في صنع القرارات، وفقاً لذلك لعبت الدولة دوراً محدوداً في تمكين المرأة من الولوج إلى عدد من مراكز القرار السياسي وهذا يعبر عن نقلة نوعية في ادوار المرأة ونشاطاتها رغم محدودية حجم النساء في تلك المراكز مقارنة بحجم الرجال ، أو مقارنة بحجم النساء في إجمالي عدد سكان الجمهورية . هنا يمكن القول: إن عملية المساواة بين المرأة والرجل في حق المشاركة السياسية ما تزال تطرح في اليمن بحذر وبصوت لا يكاد يكون مسموعاً في عموم المجتمع. نحو تجديد الفضاء السوسيو- ثقافي: يشهد المجتمع اليمنى المعاصر جملة من التحولات والتغيرات في مختلف مجالات الحياة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وقانونياً إضافة إلى متغيرات نسبية في المجال الديني (الوعي الديني، فقه التشريع). لكن هذه المتغيرات لا تسير بوتيرة واحدة إذ تختلف وتتباين في حجمها ونوعيتها من مجال إلى آخر. كما أنها تعكس بشكل مباشر وغير مباشر طبيعة النظام السياسي وايديولوجيته في هذا السياق كانت المرأة وقضاياها مجالا لثلاث توجهات سياسية وايديولوجية تعكس أنماطاً ثلاثة من أشكال الدولة والنظام السياسي التي شهدها اليمن خلال العقود الأربعة الماضية. ولما كان المجتمع اليمنى لايزال يصنف بأنه مجتمع تقليدي يتصف بحضور البنى القبلية وفاعليتها اجتماعياً وثقافياً فإن تجديد ادوار المرأة لا تعتمد فقط على الإقرار الحكومي الرسمي. فهذا لأخير لايزال مرتبطا بالقبيلة بل ويعمل على إعادة إنتاجها. وهنا تكمن الإشكالية التي تعترض مسار المشاركة السياسية للمرأة، فمع ضعف فاعلية مؤسسات المجتمع المدني الحديث(أحزاب، منظمات ، نقابات...) وغياب حركة نسوية منظمة وبالرغم من ايجابية الخطاب السياسي للدولة تجاه المرأة وبالرغم من التأكيد الذي تضمنته جميع الدساتير الصادرة منذ عام 62 على مساواة الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات فإن الخطاب السياسي وكذلك السند الدستوري والقانوني للمرأة كانا ولا يزالان يصطدمان بقوة الموروث الاجتماعي والثقافي وقدرته التنميطية للمرأة والرجل بل وفرض ثقافة ذكورية تثبت دونية المرأة .. واهتمامنا بالبنى القبلية ليس من منظور قياس التخلف بل من منظور تحليل بنية النظام الاجتماعي التقليدي ومعرفة الثابت والمتحول فيه. فبالرغم من أن واقع المجتمع اليمنى المعاصر ينفتح على العالم إلا أن القوى التقليدية (القبلية/الأصولية) لها فاعلية كبيرة في ضبط إيقاع حركة التغيير والتحديث وغالباً ما يكون لصالحها. وهو الأمر الذي يولد ازدواجية في البنى الدولتية والمجتمعية ومن ثم يستهدف الباحث التركيز على نقد الآليات المتحكمة في استمرارية العناصر الفاعلة في البنى التقليدية الأمر الذي يمكننا من معرفة الآليات المتحكمة في المسارات التحديثية في الدولة والمجتمع. ما ترون التعبير عنه في هذه الأسطر أن الإلمام الكامل بمعوقات مشاركة المرأة في العمل السياسي يتطلب معرفة السياق المجتمعي العام بكل محدداته الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية ونقصد بذلك: • معرفة المحددات الثقافية والدينية الناظمة لأدوار المرأة ونشاطاتها (معرفة النمط الثقافي والديني السائد في المجتمع). • معرفة نمط العلاقات السائدة بين المرأة والرجل(فهم الأدوار الاجتماعية-الجندرية- التي يتربى عليها الرجال والنساء والتي يقوم بها كلاهما) وفهم موقع المرأة في البنى الاجتماعية والتركيب الاجتماعي للأسرة). ^.. معرفة الموقف الرسمي ودوره في صناعة التشريعات والقوانين ومدى الترابط بين هذا الأخير وبين المحددات الثقافية والدينية السائدة في المجتمع. معرفة جميع الحواجز المتعددة والمتنوعة التي تكبح مشاركة المرأة في العمل السياسي وهي: أولاً: الحواجز الاجتماعية تستند إلى منظومة الثقافة والقيم القبلية الموروثة مدعومة بإنتاج خاص من التبريرات الدينية التي ترى في المرأة كائناً سلبياً تشكل جنسويتها تهديدا للنظام الاجتماعي لهذا لابد من الحجاب والعزل. ثانياً: الحواجز السياسية تعكس إحدى المشكلات التي تعانى منها السياسة الحكومية تجاه المرأة حيث الغموض والتردد وعدم الرغبة في تمكين المرأة من استحقاقاتها المساوية للرجل. فحضور المرأة في المجال العام لا يزال ضعيفا(ضعف حضورها في البرلمان وفى دوائر صنع القرار السياسي وفى مراكز قيادية عليا (حكومية/حزبية). ثالثاً: الحواجز البنيوية ونقصد بها غياب الأطر التنظيمية المؤسسية النسوية فالنساء لا يستطعن أن يشكلن قوة سياسية إلا من إخلال تنظيمات حزبية وجمعية تستهدف خلق حركة نسوية فاعلة من دون ذلك يمكن القول بان النساء لا يشكلن قوة سياسية ووفقا لذلك فالنساء لا يمارسن إلا دوراً رمزياً في الحياة السياسية والاقتصادية المعاصرة. رابعاً: حواجز سيكولوجية ترتبط بذات المرأة وكينونتها. فصورة الذات لدى المرأة اليمنية سلبية. فالمرأة وفقا للثقافة التقليدية (القبلية /الأصولية) تجد نفسها راضية بالوجود الذي ارتضاه لها الرجل وحيث تتحدد هويتها باعتبارها أنثى الرجل(الأب،الأخ ،الزوج...) معنى ذلك أن المرأة ليس لها وجود مستقل فهي كائن بغيره لا بذاته. ووفقا لذلك تتثبت دونيتها في التركيب الاجتماعي. في هذا السياق تولدت لدى المرأة سيكولوجية مقهورة حيث المجتمع -كان ولا يزال- ينكر على المرأة وجودها الفردي فهو لايقبل المرأة كائنا بذاته له شخصيته المستقلة. المشاركة السياسية للمرأة بين سياقين متضادين إن اليمن وفقا لنظريات التحديث والتنمية شهدت كثير من المتغيرات والتحولات التي انعكست في تحسن أوضاع المجتمع بشكل عام وتحسن أوضاع المرأة بشكل خاص. ومع ذلك فإن محددات التاريخ الاجتماعي التقليدية لاتزال حاضرة في خطاب الأفراد والجماعات بل وفى خطاب الدولة ذاتها. في هذا السياق يمكن القول: تعتبر اليمن من الدول التي تتصف بغلبة السمات التقليدية حيث البنى القبلية تشكل أهم التكوينات الاجتماعية التي تتصف بكونها ليس مجرد مظاهر ماضوية بل باعتبارها مؤسسات فاعلة ومقررة في مختلف المجالات بما فيها المجال السياسي. حيث تبرز البنى القبلية ومنظومتها الثقافية التقليدية كعائق أمام مشاركة المرأة كناخبة وكمرشحة. مع العلم أن مجمل التشريعات والقوانين اليمنية تمنح المرأة حقوقا مساوية للرجل سياسياً واقتصاديا ًواجتماعياً إضافة إلى ذلك فان الحكومة اليمنية صادقت ووقعت على غالبية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة ولذلك يجب على الحكومة اليمنية تمكين المرأة من الولوج إلى مختلف مؤسسات الدولة السياسية وزيادة حجم النساء كعضوات في البرلمان ومجلس الشورى ومختلف مراكز صنع القرارات. ولما كان المجتمع اليمنى يتصف بقوة التكوينات القبلية التي لاتقبل وجود المرأة في مراكز صنع القرارات فانه لذلك ومن أجل أن يتعود المجتمع على وجود المرأة لابد من الكوتا كمنهج تعتمده الحكومة لمرحلة مؤقتة أقصاها خمسة عشر عاماً. إن القول بعملية المساواة بين المرأة والرجل في حق المشاركة السياسية لا تزال تطرح في اليمن بحذر وبصوت لا يكاد يكون مسموعاً في عموم المجتمع ، ولما كان وجود المرأة في دوائر صنع القرار يعتبر وجودا رمزياً، فالبنى السياسية والاجتماعية في اليمن بما تحمله من ركام سلبي تحول دون استفادة المرأة من القوانين الوطنية ومن الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الحكومة ،، كما أن المرأة اليمنية لم تستفد من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في دعم دورها في المجال السياسي، فتعليم المرأة لم يواكبه ارتفاع مكانتها اجتماعياً وسياسياً، هنا يمكن القول أن المرأة اليمنية تعيش في سياقين اجتماعيين، الأول سياق تقليدي يعتمد الموروث الاجتماعي والثقافي، والثاني سياق حديث أو بصدد تحوله إلى الحداثة يدعو إلى المساواة بين الجنسين سياسيا، وفى إطار بنية اجتماعية تقليدية تنكر وجود المرأة في المجال العام فهي لذلك تهمش أدوارها سياسياً وتبخس قيمة أدوارها اقتصاديا واجتماعي، هنا يتكون لدى المرأة ارتباطاً وهمي بأن العزل والإقصاء والتهميش ملازم لطبيعتها كأنثى، ولان المرأة تاريخيا مقهورة وتابعة فهي أيضا عاجزة عن التغيير وهى لذلك تعتمد أسلوب التلقي والانتظار الأمر الذي يخلق لديها شعورا بالعجز والنقص مقارنة بالرجل. يمكن القول أن النساء اليمنيات يناضلن من اجل المشاركة السياسية في إطار مجتمعي تقليدي حديث العهد بالديمقراطية، لا يزال الرجل يشكل زمن المرأة وعالمها وينظر إليها ككائن عاجز وضعيف بذاته ولذلك هي بحاجة دوما إلى الوصاية (8 ). إن ضعف التمكين السياسي للمرأة يعتبر من أهم نواقص التنمية البشرية في اليمن فالمرأة واقعة بين ثنائية متناقضة في استخدامها لقضايا المرأة بشكل براجماتى حيث إن الحزب الحاكم يؤكد أنه يقف مع قضايا المرأة ويحقق مصالحها وأحزاب المعارضة التي تكتفي بالدعم الكلامي دون تنفيذ عملي وهنا تكون المرأة واقعة بين ثنائية مزدوجة لاتحقق في الأخير مصالحها بل تضر بها هذه الثنائية : ^.. السلطة/المعارضة. • الدستور والقانون /العرف والتقاليد مستدعيا النص الفقهي السلفي. • الحق القانوني بمرجعيته الوطنية والدولية /الصراع السياسي الحزبي • اكتساب المعرفة والحقوق السياسية/وراثة الأدوار والثقافة. • الاكتفاء بالأدوار الإنجابية /التقليل من أهمية الأدوار الإنتاجية والاجتماعية. كل ذلك ترتب عليه عدم استفادة النساء من جملة المتغيرات الايجابية خاصة على الصعيد الوطني كما لم تستفيد من المتغيرات الايجابية التي يتسارع إيقاعها في البيئة الإقليمية والدولية بل إن المرأة وقعت في فخ اثر سلبا على مطالبها سواء كان وقوعها في هذا الفخ بوعي أو بدونه ونقصد به أن ظهور عشرات النساء يعملن في الجمعيات والمنظمات الأهلية كدليل على اعتراف سياسي ومجتمعي عام والواقع عكس ذلك فإتاحة الفرص أمام النساء للعمل في التنظيمات الجمعوية رافقه تأكيد سياسي على أن يكون هذا العمل منفصلا عن السياسة أي تركيز عملهن في الجانب الخيري والاجتماعي إلى حد ما وهذا يعتبر وهما فلا يوجد فاصل في العمل الجمعوى بين جوانبه الاجتماعية والسياسية بل أن اشتغال أفراد المجتمع في قضايا الشأن العام هو عمل سياسي واجتماعي واقتصادي بامتياز. كما أن تعيين بعض النساء في مواقع سياسية واختيارهن من فئات اجتماعية محددة ذات مصالح جعل المشاركة السياسية ذات طابع موسمي انتقائي علاوة على كونها مشاركة زائفة بدليل أن زيادة المشاركة السياسية للنساء من خلال حجم تسجيلهن في كشوف الناخبين إنما تأكيد لما نذهب إليه من القول بالمشاركة الزائفة التي لم - ولن – يترتب عليها تحسن حقيقي لواقع المرأة والنظر إليها كانسان له كينونة مستقلة وأهلية قانونية وسياسية متميزة. وهنا يمكننا القول مع تقرير التنمية الإنسانية العربية بأن التمكين السياسي السائد حالياً ليس في اليمن بل في عموم الوطن العربي هو تمكين تجميلي يكون بموجبه إيصال بعض النساء إلى مواقع صنع القرار دون تمكين القاعدة العريضة من النساء(9) هنا يمكن القول انه في واقعنا العربي تستخدم المرأة كواجهة ديمقراطية وتحديث شكلاني مظهري تقدمه السلطة والمعارضة إلى من يهمه الأمر في الخارج والداخل. تأسيساً على ذلك يؤكد الباحث أن الانتخابات المحلية على وجه الخصوص تشكل تجربة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمرأة اليمنية لكن الأحزاب السياسية لم تستوعب تلك الأهمية ذلك أن مشاركة المرأة كمرشحة بشكل خاص وكناخبة بشكل عام يعتبر مؤشرا نستطيع من خلاله توسيع فضاء التحديث داخل بنية المجتمع وخلق فضاء حداثى خاص بالمرأة . ولما كانت الأحزاب اليمنية منشغلة بحساب الربح والخسارة وفق منطق اقتصاد السوق فان البعد الاجتماعي والتحديثي الذي يشكل جوهر مشروعية الأحزاب والسلطة كان مهمشاً من حساباتهم الأمر الذي انعكس سلبا على واقع المشاركة السياسية للمرأة وفوت أهم فرصة لترسيخ الحداثة السياسية. معوقات مشاركة المرأة في العمل السياسي كما عكستها الانتخابات المحلية: أولاً: أهم المعوقات كما عبرت عنها بعض النساء المرشحات (10): • رفض إعطائها سند رسوم إزالة الملصقات • غياب المسئول عن قطع السندات • ضعف أو غياب الدعم في الحملات الانتخابية ونشر الملصقات والدعاية خاصة للمستقلات • ضغوط من قبل أعضاء الأحزاب ضد المترشحات من أجل عدم ترشحها • التهديد لبعض المرشحات • رفض ترشح بعض النساء من قبل لجان التسجيل ومن الأحزاب. • حذف أسماء بعض النساء من جداول الناخبين في مرحلة القيد. • استخدام عقال الحارات للضغط على بعض أقارب المرشحات من اجل الانسحاب بل وكتابة خطاب انسحاب من الأقارب دون علمها. • الضغوط الحزبية تجاه مرشحات من نفس الحزب لإتاحة الفرص للرجال. • التنافس الحزبي من النساء بينهن في نفس الدائرة. • نزع صور المرشحات أو تمزيقها. • إطلاق بعض الإشاعات لتشويه سمعة المرشحات. • سحب استمارة الترشح دون علم إحدى المرشحات. • تهديد من المركز الانتخابي لعدم اقتناعه بعدم قبول فكرة ترشيح المرأة. • شراء الأصوات اثر سلبا في عدم قدرة النساء المستقلات. • التهكم المستفز لنخوة الرجولة بعدم تقبل ترشح النساء أو التصويت لهن. • التهديد لفريق العمل مع المرشحة وتهديد أقاربها (الزوج، الأب، الأبناء). • عدم الدعم المالي لبعض المرشحات من الأحزاب أو من المجتمع المدني. • عدم تمكين النساء من إقامة مهرجان دعائية. • تهديد الأسر (الناخبات) بقطع المساعدات المقدمة لهن. • تهديد المشايخ (صغار ومتوسطي) وعقال الحارات بقطع المساعدات المقدمة لهم. ثانياً: المعوقات المرتبطة بالعوامل الذاتية: • الشعور بعدم الكفاءة وعدم الوثوق بالفوز. • ضغوط عائلية. • ضعف المستوى التعليمي والثقافي. • ضعف التدريب والمهارات في الدعاية والخطابة. • ضعف القدرات التنظيمية في بناء التحالفات المجتمعية. • الخوف من المجتمع والتشهير يولد العجز وعدم الثقة. • ضغوط المجتمع تولد عجزا سيكولوجيا يخلق ضعف في المواجهة. • عدم وجود دعم مالي للعملية الانتخابية يولد الإحباط وعدم القدرة على المنافسة. • ضعف وتشوه الوعي الحداثى للمرأة بذاتها كفاعلة في المجال العام سياسيا واجتماعيا واقتصاد. • النساء ضد النساء من خلال التصويت المضاد لمصلحة المرأة والمرتبط بالولاءات العصبية. *أستاذ علم الاجتماع السياسي المشارك