عديد من أساتذة علم الاجتماع يؤكدون أن ضعف التمكين السياسي للمرأة يعد من أهم نواقص التنمية البشرية مشيرين إلى أن النساء لايستطعن المشاركة في العمل إلا وفقاً لما يقرره رجال الأسرة.. واعتبروا تمكين المرأة من ممارسة خياراتها سيمكنها من الاسهام الحقيقي في العملية التنموية وكعنصر مكمل للموارد البشرية إلى جانب الرجل. الدكتور فؤاد الصلاحي استاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء يصف التمكين السائد للمرأة في الدول العربية بشكل عام بالتمكين التجميلي ،حيث تستخدم فيه المرأة كواجهة ديمقراطية . معتبراً ضعف التمكين السياسي للمرأة من أهم نواقص التنمية البشرية . وقال الصلاحي : إن ازدواجية تعامل الأحزاب في السلطة والمعارضة مع قضايا المرأة وازدواجية الخطاب وعدم الجدية في تمكينها من ممارسة دورها السياسي المنصوص عليه في الدستور والقوانين ، بمعنى ان سند المرأة يصدم بقوة الموروث الاجتماعي والثقافي. مؤكداً أن المرأة اليمنية تعيش في سياقين اجتماعيين متضادين الأول سياق تقليدي يعتمد الموروث الاجتماعي والثقافي والثاني سياق حديث أو بصدد تحوله إلى الحداثة يدعو إلى المساواة بين الجنسين سياسيا في إطار بنية اجتماعية تقليدية تنكر وجود المرأة في هذا المجال .ويشير إلى ان ادوار المرأة تهمش وتبخس قيمة أدوارها اقتصاديا واجتماعيا. ويلخص معوقات التطور الحقوقي للمرأة . بضعف الالتزام بقضايا المرأة واستخدامها سياسيا ، وازدواجية تعامل الأحزاب في السلطة والمعارضة مع قضايا المرأة ، ومعارضة القوى التقليدية (القبلية والأصولية )لمشاركة المرأة سياسيا ، وضعف فاعلية مؤسسات المجتمع المدني في دعم حقوق المرأة ، و ضعف فاعلية المرأة كقوة سياسية. التأثير الاجتماعي فيما يؤكد الدكتور عادل الشرجبي أستاذ الاجتماع- جامعة صنعاء أن حق المرأة في المشاركة السياسية عموماً والمشاركة في الانتخابات بشكل خاص مكفول دستورياً وقانونياً.. ويرى ان مشاركة النساء أو عدم مشاركتهن واقعياً، وطبيعة هذه المشاركة تأثرت إلى حدٍ كبير بطبيعة التنظيمات الاجتماعية السائدة، وتوجهاتها الثقافية نحو ادوار النوع الاجتماعي. وقال الشرجبي : لوحظ ان نسبة مشاركة النساء الريفيات في الانتخابات التشريعية عام 2003م كانت أعلى من نسبة مشاركة النساء الحضريات، إلا أن هذه المؤشرات لا تعكس حقيقة الوعي السياسي للمرأة اليمنية، بل تشير إلى العكس تماماً، فالنسب العالية لمشاركة النساء في كثير من الأدوار الانتخابية الريفية لم تتم وفقاً لارادة حرة ورغبة ذاتية في المشاركة، بل كانت استجابة لرغبة وضغوط النخبة التقليدية على العائلات، والعكس تماماً حدث في الدوائر التي لم ترغب النخبة التقليدية فيها في مشاركة النساء في الانتخابات، ففي دائرتين على الاقل لم تسمح النخبة التقليدية للنساء في المشاركة في الانتخابات اطلاقاً، أما مشاركة النساء في الانتخابات التشريعية في الدوائر الحضرية فبغض النظر على ارتفاع أو تدني نسبها، فإنها ايضا لم تكن وفقاً لارادة حرة للنساء، فقد كان تصويت النساء في الانتخابات وفقاً لما حدده لهن أقاربهن الذكور، أي ان المرأة اليمنية الريفية خاضعة للهيمنة البطرياركية، والمرأة الحضرية خاضعة للهيمنة الذكورية . وقال الدكتور الشرجبي: إن ذلك يشير بوضوح إلى أن مشاركة النساء السياسية بشكلٍ خاص، ومشاركتهن في أنشطة المجال العام عموماً، لا تتحدد فقط في ضوء طبيعة النظام السياسي والمنظومة القانونية التي تنظم أنشطة المجال العام، بل ايضا في ضوء التنظيمات الاجتماعية، والتوجهات الثقافية ومنظومة القيم الاجتماعية التي تنظم علاقات النوع الاجتماعية في المجال الخاص. التمييز ضد المرأة ويؤكد استاذ علم الاجتماع ان النساء لا يستطعن المشاركة في العمل إلا وفقا لما يقرره رجال الأسرة ، فهي لا تختار العمل الذي ستمارسه، بل تختار لها الاسرة نوعية العمل، ويبدأ التمييز ضد المرأة في التمتع بالحق في العمل منذ مرحلة التأهيل للالتحاق بالعمل، أي من مرحلة التعليم الأولى. ويعتبر الدكتور الشرجبي أن مشاركة النساء اليمنيات في أنشطة المجال العام، لا يتخذ على أساس طبيعة الأنشطة باعتبارها أنشطة بشرية، بل في ضوء علاقات القرابة بين الرجال والنساء المشاركين فيها، ، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم فالأسر لا ترفض تعليم الفتاة رفضاً مطلقاً بل ترفضه اذا كان مختلطاً، فاذا توفرت مدارس غير مختلطة ومعلمات إناث فإنها تقبل تعليم بناتها، أي أن الأسر اذا استطاعت أن تضمن عدم اختلاط بناتها مع الرجال الغرباء في المدارس فإنها توافق على التعليم، وكذلك الأمر بالنسبة للعمل في القطاع الاقتصادي الحديث، فالأسر لا ترفض مشاركة نسائها في العمل بشكل مطلق، وإنما يمكن ان تقبل ذلك اذا كانت طبيعة العمل ومجاله تضمنت الفصل بين النساء والرجال، أو تضمن تحييداً كبيراً لتعامل المرأة العاملة مع الغرباء. تمكين المرأة من خياراتها ويرى الدكتور فضل الربيعي- رئيس مركز مدار للدراسات الاجتماعية بعدن أن تمكين المرأة من ممارسة خياراتها سوف يمكنها من الإسهام الحقيقي والمشاركة في العملية التنموية كعنصر مكمل للموارد البشرية إلى جانب الرجل. لكن الربيعي يشترط للوصول إلى ذلك العمل كبح كل ما يتحدى ذلك من عراقيل، على اعتبار أن المرأة مازالت تواجه العديد من الكوابح والتحديات المعرقلة لمشاركتها الفعالة في التنمية ، برغم ما تقوم به من مساهمة كبيرة في المجتمع وفي الأسرة، ومع ذلك مازالت تعاني عدم الإنصاف لجهودها ، التي تعود بفائدة كبيرة على المجتمع . ويؤكد الدكتور الربيعي أن دور المرأة لا ينحصر في الحياة الأسرية التقليدية فحسب، بل يمتد إلى مناحي الحياة المجتمعية بصفة عامة، فهي عنصر مشارك بفعالية في مجالات التنمية المختلفة ، وقد برز بشكل واضح ذلك الدور في التنمية حيث مارست عدداً من الأدوار الأسرية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية معاً ولم يحظ ذلك الدور الذي تقوم به المرأة بالدراسات التقويمية، ولا سيما دورها في الحياة العائلية. أهمية دور المرأة ويشدد الدكتور الربيعي على ضرورة متابعة الدور الذي تقوم به المرأة وحاجتنا إليه، من خلال البحث العميق والواقعي لذلك الدور ، بهدف الاستفادة من إمكانياتها وتطويرها بعيداً عن المزايدات أو التقليل من أهمية ذلك، وعليه فإن المراجعة والمساءلة والنقد البنّاء ضرورة ملازمة للوصول إلى الأهداف المنشودة في التنمية. ويؤكد رئيس مركز مدار أن ما حققته المرأة من مكاسب لم توصلها إلى ممارسة خياراتها في الحصول على الفرص الكاملة بالرغم من توجه الدولة ونهجها ودعواتها لدعم المرأة ومشاركتها ، إلا أن مثل تلك الدعوات والأطروحات قد تصطدم بكوابح الواقع الاجتماعي. داعيا إلى تهيئة المناخ والأرضية الاجتماعية والثقافية المبنية على معطيات الواقع والذي يتطلب اعادة النظر في التنظيم العلمي للنشاط الإنساني لإيجاد الارضية المناسبة لمشاركة المرأة وتفعيلها في المجتمع والتفهم لمكانتها وقدرتها، وترسيخ التجربة الديمقراطية المستندة على مبادئ الحرية الإنسانية وأخلاقياتنا العربية الإسلامية القائمة على قوة الانتماء والثقة والتخلص فعلاً من رواسب الماضي والحاضر ومن الآراء الداعمة للتجزئة المجتمعية وإلغاء مناهج التسلط والقمع بكل أشكالها أو التجاذب الانفعالي مع دعوات التحرر القادمة من خراج مجتمعنا. فجوة واضحة من جانبها تؤكد الباحثة بمركز الدراسات والبحوث أروى ذمران أن هناك عوامل مازالت تفرض نفسها كتحديات أمام الاستفادة من طاقات المرأة وقدرتها على المساهمة في بناء المجتمع. وتسرد الباحثة ذمران ابرز تلك العوامل بتشكيك المجتمعات العربية وعدم اقتناعها بقدرة المرأة أو بأهمية الدور الذي يمكن ان تقوم به في تولي بعض المناصب القيادية أو مزاولة بعض المهام الوظيفية، وكذا تأخر المرأة للانضمام للحركة التعليمية وهو ما خلق فجوة بينها وبين الرجل وافرز فجوة واضحة في مستوى الأمية بينهما مما انعكس على تواضع دورها خارج إطار العمل المنزلي. تغيير قناعات المجتمع وتعود اروى ذمران لتؤكد انه يمكن تمكين المرأة وتطويرها للإسهام في عملية التنمية من خلال: - الارتقاء بمكانة المرأة. - تخليص المرأة من الصورة النمطية للقوالب الموروثة. - احتلالها مكانة متقدمة ضمن مواقع صنع القرار. - احترام حقوق المرأة كإنسان يتساوى في إنسانيته مع الرجل وأخذ دورها على جميع الأصعدة. وتشير إلى أن تشخيص واقع المرأة والتحديات التي تقف عائقاً أمام القيام بدورها في عملية التنمية الشاملة اصبح واقعاً واضحاً وجلياً وماثلاً للعيان، لا يحتاج لكثير من العناء لتشخيصه وتحديد معالمه فلا بد من تفعيل دور المرأة وتغيير قناعات المجتمع بأهمية هذا الدور والاعتزاز بالحاجة إليه. وقالت أروى ذمران : إن المرأة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باستثمار ما يتوفر لها من دعم واعتراف بحقها للمساهمة في بناء مجتمعها وهذا الدور يتمثل في التعليم وزيادة نسبة النساء في العملية التعليمية عبر مراحلها ومستوياتها المختلفة مع الأخذ بعين الاعتبار في هذه العملية وغيرها من الجوانب المرتبطة بالمرأة وحقوقها.