لم تعد روسيا كالاتحاد السوفيتي السابق، ولم تعد الايديولوجيا والحلم الألفي الفاضل لمنظري المجتمع القادم هي الرافعة الكبرى للحالة السياسية الروسية، فروسيا الخارجة من رحم الاتحاد السوفيتي السابق استطاعت بحكنة ومقدرة ان تنظم “ السقوط الحر” والناعم للمنظومة السابقة دون أن تخسر مكانتها وقوتها الحقيقية، وخلال فترة تولي بوتين الحكم استطاعت روسيا أن تعيد ترتيب أوراق الداخل، وأن تتغلّب على سلسة من الصعاب والتحديات الماثلة، وصولاً إلى اعادة حضورها الدولي بطريقة أكثر رسوخاً ومنطقية، والشاهد الأكبر على هذه المكانة يتمثّل في الولاياتالمتحدة الذي استوعبت هذه الحقيقة، وأصبحت تنظر لأمر روسيا نظرة غير متساهلة، مُخالفة لمنطقها الاستنسابي المتسارع، وتاركة تراتب المعاني السابقة، ذات الجذر العميق في فلسفة الظفر العسكري والسياسي الذي طالما حدد المزاج الأمريكي تجاه روسيا. بعد نهاية الحرب الباردة والانهيار المتسارع للاتحاد السوفيتي كتب منظرو مجتمع نهاية التاريخ الفوكويامي «نسبة إلى فوكوياما صاحب نهاية التاريخ». كتبوا أن الولاياتالمتحدة هي النموذج النهائي للمجتمع البشري الذاهب إلى مصائر مجده الأخير، وأن انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية دليل قاطع مانع على انتصار الرأسمالية العاتية في نسختها الأمريكية، لكن الأيام أثبتت ما كان قد سطره كارل ماركس ومنظرو المادية التاريخية والجدلية، فجاءت الأزمة المالية الكاسحة لتؤكد من جديد مثالب النظام الرأسمالي المُتخلّي عن الرشد والرشاد، وليرى العالم برمته كيف يمكن الانزلاق إلى متاهة إنسانية شاملة، عطفاً على أهواء سدنة البورصة الدولية، والبنوك العابرة للقارات، ومؤسسات التمويل العقاري العالمية، ممن ظلوا يلهثون وراء النماء المالي التراكمي دونما احتساب لجدوى ومصائر تلك الأموال المسكوبة بقوة دفع الأرباح، فكانت النتيجة ما نراه اليوم.