لا شك أن اتفاق فبراير الذي نتج عنه التمديد لمجلس النواب سنتين إلى الأمام قد انحصرت موضوعاته في نطاق ثلاث نقاط حوارية متشابكة ومترابطة غير قابلة لتعدد المسارات على أساس الثنائية أو الثلاثية وما تستوجبه من فصل الموضوعات بعضها عن بعض وفقاً لما لدى هذا الطرف الحاكم أو ذاك الطرف المعارض من الحسابات والتكتيكات والمناورات السياسية المتناقضة ذات الباطن المختلف عن الظاهر الذي يزج الطرفين في متاهات الاختلاف حول سوء تفسير الألفاظ والعبارات والكلمات تعريفات فلسفية وسياسية تتنافى مع ما هو قائم من المشكلات وما تستوجبه من الحلول الحوارية على قاعدة “واحد زائد واحد يساوي اثنين”. أقول ذلك وأقصد به أن طرفي الحوار ملزمان بالتصويت على مشروع تعديلات قانون الانتخابات وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها إلى جانب طرح ما يتفق عليه من استفتاء على تعديلات بحيث تكون جاهزة إلى ما بعدها من دورات انتخابية. إلا أن الحوار أخذ يتّسع ويتشعب حول العديد من الموضوعات الموجبة لتجزئة القضايا وتعددية المسارات بما يؤدي إلى الحيلولة دون إجراء الانتخابات والتعديلات الدستورية في الموعد الزمني المتفق عليه في محاولة من أحزاب اللقاء المشترك زج البلد في متاهات الفراغ الدستوري الذي يفقد صاحب الأغلبية ما هو بحاجة إليه من الشرعية الدستورية على نحو يؤدي إلى إغراق البلد في سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية بصورة لا تضعف القيادة وتحول دون تفرغ الحكومة للتنمية؛ بل تفقد الدولة ما هي بحاجة إليه من الهيبة والقدسية والقوة المستمدة من إرادة الشعب. نعم لقد كشفت أحزاب المشترك عما لديها من النوايا الانقلابية من خلال ما تقوم به من المناورات والمكايدات والتكتيكات السياسية الهادفة إلى تعطيل الحكومة وإضعاف الدولة وإقلاق الأمن والاستقرار وتعطيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر سلسلة مركبة من رغبة اللجوء إلى الشارع ودعوة البؤساء والمحتاجين إلى المظاهرات والمسيرات والاعتصامات الفوضوية الانفصالية التي تحولت إلى أحداث شغب وسلب ونهب وقطع للطرقات واعتداءات إرهابية على أفراد القوات المسلحة والأمن، وقتل للأبرياء المدنيين الآمنين، والتحريض على الكراهية بين المواطنين، والترويج للإشاعات، وإيقاظ الفتن النائمة بأساليب في ظاهرها البكاء على الديمقراطية والحق والعدل والإصلاح والوحدة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي باطنها الرغبة المبيتة في القضاء على جميع الثوابت والمكتسبات الوطنية كما هو الحال في مواقفهم وتحالفهم مع المتمردين الحوثيين دون التأكد من مصداقيتهم في الالتزام بنقاط الحكومة الست التي أعلنوا صراحة قبولهم بها أمام الشعب اليمني وأمام العالم بأسره مقابل وقف الحرب. إن مطالبة المشترك بالإفراج عن المتهمين بجرائم جنائية في جنوب الوطن وشماله مقابل شروعهم في الحوار العاجل حول إجراء العملية الانتخابية لا يهدف إلى خدمة الخارجين عن القانون من المحكوم عليهم وأصحاب القضايا المنظورة أمام المحاكم واعتبارهم معتقلين سياسيين وأصحاب رأي لذر الرماد في العيون. نعم لقد كانت تجزئة الحوار وتقسيمه إلى مسارين “عاجل وآجل” آخر خدعة وآخر لعبة سياسية جديدة لامتصاص غضب الهيئات والمنظمات الدولية، وكسب تعاطف الدول المانحة في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب لتحقيق ما لديهم من المخططات غير المعلنة على نحو نوضحه بالآتي: -1 لأن تجربة انتخابات ملء المقاعد الشاغرة كشفت لهم أن المقاطعة سلاح سلبي لا فاعلية ولا أثر له على الإطلاق سواء من وجهة نظر الهيئة الناخبة أم من وجهة نظر المجتمع الدولي الذي لا يطلب لمراقبة أية عملية انتخابية سوى التزامها بالمعايير الدولية، ومعنى ذلك أنه لا جدوى من سلاح المقاطعة الانتخابية. 2 - إن القبول بالتصويت على قانون الانتخابات المتفق عليه وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات إجراءات كفيلة بعرقلة العملية الانتخابية وعدم إجراء الانتخابات في موعدها الزمني، أي إفشال الانتخابات من داخل الهيئة الدستورية المعنية بإدارة العملية الانتخابية، واختلاق الأعذار الواهية ذات الصلة بالتشكيك بالسجل الانتخابي، واتهامه بما ليس فيه من عيوب مختلقة، وعدم قدرة اللجنة على اتخاذ القرار. 3 - إن تسليم صاحب الأغلبية لما لديه من المؤسسات والهيئات الدستورية بتقديم ما تطالب به المعارضة من تنازلات مقابل مواقف تكتيكية غير صادقة يفقد المسار العاجل قدرته على إجراء الانتخابات في مواعيدها الزمنية المشروعة، ويحرمه من اتخاذ العملية الانتخابية مناسبة للإيفاء بما صدر عنه من وعود انتخابية، ويظهره بمظهر الكذب على هيئته الناخبة؛ لأن التعديلات الدستورية الآجلة سوف ترحل إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية والمحلية، أي إلى ما بعد 27 ابريل 2013م، في وقت يعلمون فيه أن مرشح المؤتمر الشعبي فخامة الأخ رئيس الجمهورية لم يعد من حقه ترشيح نفسه لدورة انتخابية جديدة ما لم يمتلك الأغلبية البرلمانية القادرة على تعديل الدستور وتحقيق ما وعد به من الإصلاحات السياسية والانتخابية. 4 - إنهم يراهنون على اتخاذ الوقت فرصة مناسبة لنسج التحالفات المشبوهة مع العناصر الانفصالية المشاغبة ومع العناصر الحوثية المتمردة ومع المجاميع الإرهابية، تزامناً مع ما تعانيه البلاد من مشاكل اقتصادية تسهم إلى هذا الحد أو ذاك في إضعاف القبضة الأمنية والعسكرية لصاحب الأغلبية الحاكمة وما سوف ينتج عن ذلك من الانهيارات الأمنية والاجتماعية على نحو يؤدي إلى تقاسم السلطة بين الحزب الاشتراكي المشدود إلى إعادة دولته الجنوبية البائدة وبين التجمع اليمني للإصلاح الأخوان المسلمين الذين كانوا متحفظين على الوحدة ورافضين للدستور والذين قبلوا الوحدة على مضض خوفاً من ردود الفعل الشعبية الغاضبة. لأن أهدافهم المستترة من تحالفهم مع فخامة الأخ رئيس الجمهورية ضد عنف الجبهة الوطنية الديمقراطية في الشمال كانت تهدف إلى الاستيلاء على السلطة وحكم الجمهورية العربية اليمنية منفردين من خلال فرض قبضتهم الحديدية على وزارة التربية والتعليم وعلى الجامعات والكليات العسكرية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مستخدمين ما لديهم من متخرجي المعاهد الدينية وما لدى المعاهد الدينية من موازنة مالية كبيرة في تجييش من يساندونهم من شيوخ القبائل المتأثرين بالثقافة الإسلامية والمعادين للتطرف الشيوعي. إن ما اتفق عليه في القاهرة مع قيادات جنوبية داعمة ومساندة لبعض الجماعات القائدة للحراك الانفصالي تحت بند ما يطلقون عليه حرصهم على دعم الحراك السلمي في الجنوب وتوسيعه إلى الشمال؛ يؤكد فعلاً اتفاقاً ضمنياً بين الحزب الاشتراكي وبين التجمع اليمني للإصلاح على تقسيم الوطن والشعب الواحد والدولة الواحدة إلى شطرين ودولتين انفصاليتين تخضعان منفردتين لدكتاتورية الحزب الواحد وتخضعان للشراكة بين الحزبين الحاكمين يتوج فيها علي سالم البيض رئيساً في الجنوب يحكم بتحالف اشتراكي إصلاحي، ويتوج فيها حميد الأحمر رئيساً في الشمال ويحكم بتحالف إخواني اشتراكي لا مجال فيه للتداول السلمي للسلطة الموجبة للتعددية السياسية والشرعية الانتخابية الحرة والنزيهة والشفافة!. أخلص من ذلك إلى القول إن فكرة المسارين واتفاق القاهرة ولجنة الأحمر باسندوة والتحالف مع الحوثيين بداية مخطط تآمري يهدف إلى تقاسم السلطة والثروة وإعادة الحياة للدولتين والشطرين وإلى ما قبل الوحدة والديمقراطية؛ يستوجب اليقظة والحذر، ومطالبة رئيس الجمهورية بترشيح نفسه لفترة رئاسية أخرى حفاظاً على ما تحقق من المنجزات التاريخية للشعب اليمني.