كنت أعتقد أن حجم التوعية وذاك الكم الكبير من القيم الدينية والتي ما أظن أنها إلا مؤثرة، وتنطلق من احترام وممارسة للأخوة والمساواة بين بني البشر المباركة إلا أنني تسلمت رسالة قصيرة عبر الموبايل كتحية ليوم الجمعة تقول: «عجبت لمن يشتري العبيد بماله كيف لا يشتري جمعة الأحرار بمعروفه» لقد آلمني ذلك العُذر والتبرير، أما زالت العبودية تمارس بيننا؟! وحسب علمي أن العالم أدان ويدين أي مظاهر للعبودية كونها تنقص من الكرامة الإنسانية القديمة والمعاصرة أما الإسلام فقد كان له موقف من مجتمع الجاهلية الذي اعتمد فيه على نشاط اقتصادي يتمثل في أسواق العبيد الذين هم نتاج الحروب بين القبائل والدول المجاورة وقد جاء الإسلام وشجع أن يفتدي العبد نفسه وأن يعامله المسلم كأخيه وابنه وحد الإسلام من تلك الممارسات الاقتصادية وما يتبعها من ممارسات اجتماعية وثقافية ومنها العبيد والجواري المحظيات والاستعباد والخصي للرجال وما صاحب ذلك من ممارسات مخجلة كان الإسلام متصدياً لها في عتق رقاب العبيد وخاصة في كفارة القتل بتحرير الرقاب والافتداء بأسرى الحرب عبر تحرير العبيد وكان لقيام الإسلام بالعتق أن تدفق الكثير من محبي الإسلام لنشره وحمله وقد كان بلال مؤذن الرسول أحد العبيد. الأحباش الذي أعتقه الإسلام وصهيب وزيد وكانت لمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه « متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» بمعنى أن الأصل هو أن الإنسان ولد حراً. ولعل ما يخجل في تاريخنا الإسلامي هو أن الرق والاسترقاق وما يسمى بالسبي وأسواق النخاسة كانت صفات ملاصقة لمخرجات الحروب التي شهدتها الدويلات الإسلامية لكن العتق والمساواة السياسية التي انتهجها الدين الإسلامي أوصلت دولة المماليك إلى الانتشار إلى جميع أصقاع العالم العربي المسلم وكان لأولئك مواقع في صنع القرار امتد إلى تبوء القيادة والحكم وقد تركوا بصماتهم في الدفاع ونشر الإسلام من خلال هذه الدولة دولة المماليك في مصر والشام وما شمله ذلك من سمات ثقافية امتدت في القصور والمساجد والطرقات ونمط البناء والدفاع عن الإسلام من الفرنجة والصليبيين. أعود للرسالة عبر الموبايل فقد استغربت في أن مثل هذه الأفكار ما زال البعض يحملها، هل غابت مصطلحات العتق والتآخي والدعوات المعاصرة للأمم المتحدة وما تحقق في كل العالم من القضاء على العبودية والاسترقاق والفصل العنصري وقد صارت موانئ تجميع واستقبال العبيد أشبه بمتاحف ذكريات حتى لا يعود الناس لهذه الممارسات وقد شكل التاريخ الأمريكي المعاصر تخلصاً من ذلك الماضي الذي قدم طليعة الأمريكان من أصل أفريقي تضحيات لوأد الفصل العنصري في مختلف جوانب الحياة وبرزت إلى السطح شخصيات مثل مارثن لوثر كنج وما لكوم إكس وكلاي وإنجيلا ديفيز واليوم تشهد أمريكا وأوروبا تآخياً بشرياً، وخاضت الشعوب الأفريقية هي الأخرى نضالات ضد نظام (الابارتيد) وكانت جنوب أفريقيا مثالاً كبيراً وكان مانديلا أبرز نماذج التآخي بين السود والبيض. القضاء على العبودية هي إحدى منجزات البشرية المعاصرة وماضياً لم أظن أن الناس كانوا يفكرون فيها، لكن للأسف صدمت عندما سمعت أنه لا تزال العبودية تمارس في بعض المناطق في بلادنا. وقد يكون هناك الآن في العالم استرقاق آخر مثل الرق الأبيض أو المتاجرة بالبشر وهي ممارسات تنبهت لها منظومة الأممالمتحدة وأدانتها وتعمل على الحد منا ومنعها وهي للأسف ممارسات في ظروف استثنائية لبعض الدول تمارسها في الخفاء وبالإرغام وقد اتخذت التشريعات الوطنية في العديد من الدول عقوبات صارمة ورادعة، لكن كيف يمكن القول إن هذه الظاهرة موجودة في مجتمعنا ونحن البلد المسلم وبلد الإيمان والحكمة؟ بقي القول لا بد أن نرفض ونتبرأ من هذه الممارسات التي لا يقرها ديننا ويرفضها مجتمعنا ولا ينبغي أن نفكر فيها ولو مجرد تفكير..