«الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى قد منّ علينا بنعم لا تحصى، ويسّر لنا أبواب التوبة والندم مما نقع فيه من كبائر وصغائر المعاصي والأخطاء. وقد كتب الله علينا الصيام في شهر رمضان وخصّ الله به نفسه وهو الذي يجزي، فكان هذا الفرض مختلفاً عن باقي الفروض التي هي للإنسان. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام شهر رمضان، فقال: هذا رمضان قد جاءكم، كتب الله عليكم صيامه، ففيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم، وتصفّد فيه الشياطين. فهذه هي البشرى بقدوم رمضان والترغيب في صيامه وقيامه إلى جانب الكثير من الأحاديث المتعلقة بفضل شهر رمضان، وفضل الصوم فيه، فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. والمتأمل في أوضاع الناس وأحوالهم، يجد غالبيتهم يلهثون وراء الدنيا ومتعتها، متناسين ما أوجب الله عليهم، منغمسين في اقتراف المعاصي والآثام ظاهرة وباطنة، فيضيعون أموالهم وأوقاتهم في اللهو والإسراف من غير فائدة ومن غير طاعة. فهل من مراجع نفسه في هذا الشهر الكريم ومنتهز الفرصة والبشارة التي بشرّ الله بقدوم شهر رمضان ومباركته له، وفتح أبواب الجنة للتائبين القائمين العابدين العاكفين؟!. وقد يقول قائل: أنا لم أقترف معصية تكلم الناس عنها، وليعلم أن من فضل الله عليه أن ستر عليه عيوبه الخفية عن أعين الناس، ولابد له من إعلان التوبة. ففي شهر رمضان فرصة التوبة مع فتح أبواب الجنة، وبالمقابل إغلاق أبواب الجحيم، وفوق هذا وذلك فقد صفّد الله له الشياطين، فما يفعل فمن نفسه لا من شيطانه. وكل إنسان له شيطانه الذي يوسوس له فعل المنكرات، وها قد صفّد بالأغلال، ولم يبق للإنسان إلا أن يتقي الله في نفسه ويتوب إلى الله، ويقبل عليه بقلب سليم، وليحاسب نفسه، وينظر ما قدم في عامه إذا كان خيراً انتفع به ونفع الآخرين، وإذا كان شراً، والعياذ بالله، أصاب به نفسه وأضر الآخرين. ورحم الله السلف الصالح، إذ كان دعاء بعضهم: اللهم سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً، اللهم آمين.. والحمد لله رب العالمين». من مقال كتبه فضيلة القاضي العلامة عصام السماوي، رئيس هيئة القضاء الأعلى في العام 2000م ونشرته له في صحيفة «المسيلة».