رمضان هو شهر الخيرات, شهر الاغتسال من الذنوب والمعاصي, هو شهر قال الله عز وجل فيه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). هذا الشهر الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "رغم أنف امرئ ثم رغم أنف امرئ ثم رغم أنف امرئ" قال الصحابة"خاب وخسر يا رسول الله,من هو؟" قال "من أدرك رمضان ولم يغفر له". وهكذا يتبين لنا فضل هذا الشهر الكريم والمبارك في غسل الذنوب والمعاصي, ولكن لكي تكتمل لدينا الصورة فربما نريد أن نطمئن ونتأكد من أننا على الطريق الصحيح للمغفرة والفلاح. فإذا رجعنا للأيام التي سبقت رمضان وبدأنا نسرد الأسباب التي كانت تؤدي بنا إلى السيئات فنجد سببين رئيسيين يدفعاننا إلى المعاصي, هما (الشيطان – هوى النفس). ولنتحدث عن هذين العاملين, فالشيطان قال الله تعالى عنه (إِنَّ 0لشَّيْطَٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَ0تَّخِذُوهُ عَدُوّاً). أما عن تأثيره في رمضان, فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ . وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُل لَيْلَةٍ). فظاهر الحديث يبين أن الشيطان يكون مصفدا في رمضان وبالتالي فلا يستطيع إغواء البشر. ولكن أليس معنى هذا أنهم لا يتمكنون من الإنسان في رمضان على الإطلاق؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله في شرح الحديث – : ( وما ذاك إلا أنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة ، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار ، وتصفد الشياطين ، فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار ؛ فإن المصفد : هو المقيد ؛ إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات ، فإذا كفوا عن الشهوات ؛ صفدت الشياطين). فاشترط الشيخ هنا الكف عن الشهوات لكي تصفد الشياطين وليس إطلاق الأمر بصفة عامة. - ويثور تساؤل, إذا كف الإنسان عن الشهوات في رمضان فهل يصفد الشيطان فعليا؟ وإن كان هكذا فبماذا يفسر التثاؤب في رمضان؟ نذكر في التثاؤب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك الشيطان ). وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان ) وعند الإمام أحمد ( فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب ). فظاهر الحديث يقول إن التثاؤب بسبب الشيطان فكيف يتم تفسير ذلك ومطابقته مع حديث (إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن)؟ يقول ابن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة، أي أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه . لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب . وقال النووي : أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك وهو التوسع في المأكل. فيتبين لنا أنه ليس المراد أن التثاؤب بسبب الشيطان ولكن الشيطان يفرح بأن يعتري التثاؤب الإنسان بل ويضحك ويفرح الشيطان بذلك, وهذا لا يتعارض مع حديث التصفيد, مع اتفاقنا تماما أن التصفيد في حق الشيطان ليس مطلقا ولكن يجب أن يتبعه امتناع عن الشهوات وكف النفس عن الهوى.