هناك قاعدة تقول: إن الأطراف غير الرشيدة والمتناقضة تلتقي في منابعها وأهدافها. تظهر هذه الحالة بين أغلب السلطات الرسمية في العالم العربي والتيارات الأصولية الأكثر تعصباً وعدمية، من السبب في ازدهار هذه التيارات ؟ أليست هي السلطة بذاتها ؟ أليس هذا النظام بذاته هو السبب؟ هذه الأنظمة التي همّشت العقل، وهمّشت الليبرالية، وهمشت الحداثة، وهمشت اليسار واليمين. أليست هي السبب في اندحار الطبقة الوسطى ؟ أليست هي السبب في انبعاث هذا المنطق الديني المتعصب للإسلام السياسي العلني ؟ الحالة القائمة الآن في العالم العربي تقع مسؤوليتها الأساسية على كاهل الأنظمة التي خرجت بشعارات وبأردية قومية ويسارية وتحررية، وتكشّفت في النهاية عن كونها مخلوقاً مشوهاً للحاكمية التاريخية والفكر الجمهوري، حتى بالمعنى الإفلاطوني وليس بالمعنى الفرنسي أو الإيطالي. إننا نعيش في ظل أنظمة سلطانية خربة لا علاقة لها بمنطق العصر من حيث التناوب الشرطي بين الإدارة المدنية والحاكمية، فالحاكمية في جُل هذه الأنظمة ليست شرعية بل مُلك «بضم الميم» سواء كانت جمهورية أو غير جمهورية، والمُلك يعني ببساطة إلغاء الآخر بالمعنى المطلق والشامل، وكما أن لكل فعل ردة فعل، فإن هذا الإلغاء المُتعمد القسري الذي يفتقر للسويّة، جاء برد الفعل العكسي القادم من التيارات الإسلامية التي نتمنى أن يكون فيهم رشداء،على الأقل وسطيين، فهناك فراغ حقيقي في الرؤيا وفي الخيارات، وهنالك تخبط حقيقي. الوضع القائم في أغلب أقاليم الجغرافيا السياسية العربية هو وضع احتقاني مخاضي عسير، والمحزن أكثر أن بعض الأنظمة العربية ليست مؤهلة للتعامل الواقعي مع هذه الحقيقة، بل نراهم مخطوفين ومأخوذين بمُغالبة الحقائق عن طريق القوة، وعن طريق الترهيب والترغيب، ولكنهم لن يتمكنوا من دفع فاتورة الترغيب ولا يمكن لهم أن يمنعوا التغيير بالترهيب. نحن في عصر لا يسمح بالترهيب الذي كان يحصل في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم. كل شيء أصبح مكشوفاً على الأرض وأمام العالم، العالم يتداخل، وأنظمتنا لا تستطيع دفع الاستحقاقات على المستويين المحلي والدولي. [email protected]