المخاض الماثل استتباعاً للحدثين العاتيين في مصر وتونس يستمر صاعداً في المنظومة العربية الممتدة من الماء إلى الماء، والمتناسخة كأنما خرجوا من رحم واحد. ولعل الحالة الليبية الأكثر تراجيدية مؤشر في هذا الجانب، فنظام المتطيّر الأكبر معمر القذافي يؤشر إلى مصائر القيادة السيكوباتية الخارجة من زمن الحاكمية العربية المفارقة لنواميس التاريخ والجغرافيا. إن فلسفة الاستمرار على درب المُغالبة للحقائق تعيد انتاج أقسى مركبات القهر والقمع، حتى أن «الزعيم الاممي» لا يتورع عن إشهار نفسه بوصفه “ نيرون” ليبيا الذي لا يقبل بأقل من حرق البلاد والعباد إن لم يتم الانصياع لمنطقه المجنون، فهو بحسب ادعاءاته المتهافتة ليس رئيساً حتى يستقيل، وهو زعيم عالمي تمتد تجربته في أرجاء المعمورة، وهو مقاتل لا تلين له قناة حتى وإن خلط الاوراق واستعان بالمرتزقة ليقوموا بتطهير ليبيا «بيتاً بيتاً وداراً داراً ، وزنقة زنقة، وفرداً فرداً» كما قالها بصريح العبارة . وعلى خط مُتّصل سنجد مشاريع تدوير لذات السيناريوهات النابعة من الشارع، متجاوزةً الانظمة والمرجعيات معاً. ومن المؤكد من قبل ومن بعد أن النظام العربي يتحمّل المسؤولية الجسيمة في ما آلت اليه الأمور، فقد تأبّى هذا النظام على الحق والحقيقة، وظل يتعاطى مع مواطنيه بمنطق الغلبة والقوة السافرة والتهديد وإفقار البشر. بمقابل تكديس التريليونات المنهوبة في بنوك العالم شرقاً وغرباً، والعمل على توسيع دوائر الفقر والبطالة المتنامية في اربعة أرجاء هذا العالم المقهور بحراب القوة الناعمة والكبيسة معاً . يتقدّم هذا النظام بتنازلات تكتيكة لم تعد مقبولة، فالمنطق الراديكالي لملايين الشباب المحبط يتوازى مع رغبة عارمة في تغيير شامل، والنخب السياسية التي كانت قبل حين قابلة بالتفاوض والتسويات لم تعد تستطيع فعل ذلك بعد أن وجدت الشارع متجاوزاً لها ولمشاريعها الحوارية مع الأنظمة. ومنطق الترهيب والترغيب الذي طالما ساد النظام العربي لم يعد مقبولاً في زمن أصبح الترهيب فيه مكشوفاً عبر وسائل الاتصال الجبارة المفتوحة على العالم، والترغيب فيه عصياً عبر الاستحقاقات الباهظة التي لا يقوى النظام على تقديمها، فما العمل؟!! [email protected]