بداية أحب أن أهنئ القارئ الكريم بقدوم شهر رمضان أعاده الله علينا وعلى بلادنا بالخير واليمن والبركات . ثم اسمحوا لي أن أنقل إليكم عدة أسئلة لموضوع أثار حيرتي وشد انتباهي: ما الذي يجعلنا نرتبط بالأماكن التي نعيش فيها؟ ما الذي جعل الرحيل موجعاً ومؤلماً , هل هي الذكريات؟ هل هي السنين الطوال التي قد نكون قضيناها هناك؟ هل هو الحنين لتفاصيل اعتدنا عليها ووجوه سكنتنا؟..ما الذي يجعل قلوبنا تكاد تنفطر ألماً حين نمر بجوار مكان ما , كان له في قاموس حياتنا وجود وذكرى. هل نحب تلك الأماكن أم نحب حياتنا فيها؟ هل نحب تلك الأحجار وتلك الجدران الصلبة الصماء أم أنها الأيام الجميلة تجعل لتلك الأحجار والجدران شفاهاً تنطق بها وعيوناً يرتسم الحزن فيها وكأنها تبادلنا نفس الإحساس ونفس الأسى؟ هل نسكن في الأماكن أم أنها تسكننا؟ هل تحتوينا أم نحتويها؟ لا يدرك المرء كم يحب المكان الذي يعيش فيه سوى بعد أن يرحل عنه راغباً أو مضطراً .. تظل المشاعر هي المشاعر ويبقى الحنين لذاك المكان خالداً. الشيء المؤكد أن البيوت عامرة بأهلها، والشوارع بسكانها والأجساد بأرواحها والروح لها أسرار ومن أسرارها العلاقة بينها وبين الأماكن..والأماكن هي البيئة المحيطة بنا ويؤكد خبراء النفس والاجتماع أن الإنسان يؤثر ويتأثر بها وهذا شيء مؤكد وصحيح، فالبيئة لها دور كبير في حياة كل فرد منا وهناك أماكن كان لها الفضل في إبراز أفراد أو طمرهم . وفي التاريخ قصص كثيرة تؤكد ذلك لأن سلوك الفرد يتحدد ويتشكل ويتكيف حسب بيئته وحسب المكان الذي يعيش فيه. بالنسبة للنفس البشرية فهي عجيبة جداً، فترى أن هناك أشخاصاً قد يحبون أمكنة عدة ولكنهم لا يحبون العيش فيها فقط بل يحبون زيارتها من وقت لآخر في حين أن أماكن إقامتهم التي يحبونها هي المفضلة لديهم وهناك من الناس من يتبرك بالأمكنة فيصبح لديه اعتقاد أن هذا المكان مبارك وهذا مشئوم، المهم أن علاقة الإنسان بالمكان علاقة غريبة ولكنها تؤكد أن الإنسان يتعلق جداً ببيئته أو بالمكان الذي عاش أو يعيش فيه ويحبه. وحين يرحل تاركاً هذا المكان يعاني الصعوبة في التكيف مع مكان آخر ولكن مع مرور الوقت قد يتكيف لكن يظل زخم المكان القديم ماكثاً في القلب مع غصة الذكريات. وختاماً يظل الوطن هو المكان الوحيد الذي لا يختلف على حبه اثنان , وعند حريته وأمنه ترخص جداً الروح وتهون المشاعر. ورمضانكم طيب وكريم.