كتب : بلال المريري لجان الضمان الاجتماعي التي تجاهلت “مهيوب” أكثر من مرة تذكرته مؤخراً بمبلغ لايستحق أن يذكر، وهو الآن يبحث عن طريق تعيد إليه ساق ابنه الأكبر لكن الجواب يأتيه من حيث يدري ولايدري.. “مافات مات” “السحاب لا تمطر ذهباً ولا فضة” و”رمضان لا يأتي مع الرزق” هكذا يتلاشى التفاؤل عند كثير من المعدمين والفقراء من يعجزون عن توفير شربة ماء “باردة” يروون بها ظمأ يمتد لأكثر من 12 ساعة ناهيك عن مشروبات تجدها كألوان “قوس قزح” على موائد المتخمين ولاتزور موائدهم على الإطلاق يتجرعون مرارة الجوع طمعاً بمرضاة خالقهم فرحة لقائه بينما تتبدد فرحة الفطر في شعاب الفقر القاحلة ولا شيء سوى الحزن يخيم في منازلهم حين يصدح أذان المغرب ويجلسون القرفصاء حول أوانٍ تحمل ماتيسر من طعام غالباً لايسد الرمق وهو ما يستطيعون توفيره على مدار العام..كثيرون من يكتوون بجحيم الفقر ويعجزون عن توفير “لقمة العيش” تقيهم شر الجوع ومطاردة ماتجود به أيادي الميسورين من “فتات” غير أني سأنقل هنا تفاصيل قرأتها في وجوه شاحبة وسمعتها من أفواه تتوارى خلفها “غصة” تطلق الكلمات ممزوجة بالكثير من القهر والقليل من الحلم. معاناة عمرها 50 عاماً سآخذكم بعيداً عن أدخنة المصانع وأسواق الفواكه واللحوم الطازجة وإطارات السيارات الفارهة التي تعبر شوارع المدينة المكتظة بالمتسولين ذهاباً وإياباً، إلى أقاصي الريف حيث يسكن مهيوب أحمد بجوار البؤس منذ خمسين عاماً.. يمتلك مهيوب أحمد منزلاً متواضعاً في قرية تبعد عن مدينة تعز بحوالي 30 كيلو متراً ولديه تركة ثقيلة من الأبناء أكبرهم يتجاوز ال18 من العمر وامرأة أفقدها الفقر القدرة على مجاراة هموم الحياة فلم تعد تأبه بشيء كل مالديها ابتسامة توزعها في وجوه المارين وبضع كلمات “سبحان الله لا حول ولا قوة إلا بالله”. بذل مهيوب الكثير من الجهد في سبيل تأمين حياته وأبنائه وكل ما كان يتحصل عليه يذهب كمصاريف يومية وحين هده التعب لم يعد قادراً على ذلك ومنذ خمسة عشر عاماً يعيش مهيوب على الكفاف وما يوفره ابنه الأكبر الذي ترك مقعده في المدرسة شاغراً وذهب يبحث عن مصدر الرزق ليسد به احتياجات الأسرة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..قبل عامين تسلل الابن الأكبر مع مجموعة من أبناء القرية إلى دولة مجاورة حين أدرك أن مايتحصل عليه هنا لايفي بمتطلبات البيت وبحسب والده فإن الحال لم يتغير وكان الحظ سيئاً بالنسبة لولده الذي مكث أشهراً طويلة دون عمل كونه لايمتلك إقامة شرعية تمكنه من العيش بحرية وفي مأمن من دوريات الشرطة وحملات التفتيش.. ويضيف مهيوب: بعد جهد حصل الابن على عمل في إحدى الشركات ولم يمر سوى بضعة أشهر حتى فقد إحدى يديه تكفلت آلة كان يعمل عليها بقطعها وما كان بحوزته تبدد في لملمة الجراح ووقف نزيف الدم. يفكر مهيوب الآن بحال ولده ويبحث عن طريق تعيد إليه ساقه لكن الجواب يأتيه من حيث يدري ولايدري “ما فات مات”..يؤكد الشيخ الطاعن بأن لجان الضمان الاجتماعي تجاهلته أكثر من مرة وحظي بها كل من هب ودب وبعد جهد جهيد حصل على بطاقة الضمان بمبلغ لايزيد عن 6 آلاف ريال يتقاضاها كل ثلاثة أشهر.. ويشير إلى أن المعاناة تترصده طوال العام وفي رمضان يزداد عنفوانها حين يصدح أذان المغرب ويحوم مع أولاده حول مائدة لاتحمل سوى كسرة خبز والقليل من “القهوة” و”الحقين” إذا حالفه الحظ وحصل على قيمتها. مهيوب لايفارق شفتاه التسبيح وذكر الله وقراءة القرآن ولا يحول بينه وبين ذلك سوى “النوم” وبحسب قوله: فإنها الزاد الأهم في مواجهة هموم الحياة.