توجد في القرآن الكريم بعض من صيغ الألفاظ المتقاربة في المادة والحروف أيضا لكن هناك اختلاف ولا شك , على قاعدة أن زيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى , وهنا سنقدم نماذج من هذه الصيغ : “الرحمن الرحيم” الرحمن على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل , ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أن الصفة فعلان تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى فيقال : غضبان بمعنى امتلأ غضبا (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) لكن الغضب زال (فلما سكت عن موسى الغضب) ومثل ذلك عطشان ، ريان ، جوعان ، يكون عطشانَ فيشرب فيذهب العطش. أما صيغة فعيل فهي تدل على الثبوت سواء كان خِلقة ويسمى تحولاً في الصفات مثل طويل، جميل، قبيح , فلا يقال : خطيب لمن ألقى خطبة واحدة وإنما تقال لمن يمارس الخطابة وكذلك الفقيه. ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معاً , فلو قال : الرحمن , فقط لتوهم السامع أن هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره. ولو قال : رحيم وحدها لفهم منها أن صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك مثلا عندما يقال فلان كريم فهذا لا يعني انه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم. وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أن صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة ويدل على أن رحمته لا تنقطع وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن إحداهما ، إنما هذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة غير منقطعة. “ كسب/اكتسب” قال تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) [البقرة286]. جاء في (الكشاف) في هذه الآية: “فإن قلت: لم خص الخير بالكسب , والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه وأمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال”. وجاء في (البحر المحيط): “والذي يظهر لي أن الحسنات، هي مما تكتسب دون تكلف والسيئات ببناء المبالغة” , وقال سيبويه: “كسب: أصاب، واكتسب: تتصرف واجتهد” . “مالك/ مليك” قال تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (القمر54-55 ) استعمل كلمة (مليك) من الملك وهو الحكم ولم يقل مالك من التملك والملِك ليس مالكاً. الله تعالى جمع لنفسه التملك والملك (قل اللهم مالك الملك). الفرق بين مليك وملك: هذه الآية الوحيدة التي وردت فيها كلمة (مليك) ، في القرآن المَلَك على صيغة فَعَل ، أما (مليك) على صفة فعيل. وصيغة فعَل تختلف عن صيغة فعيل بالدلالة , فصيغة فعَل تدل على الأعراض وتدلّ على الأشياء الطارئة مثال: رجل غمَش، أما فعيل فتدل على الثبوت مثل جميل وصغير وقصير وهي صفة مشبهة أي صفات ثابتة أو تدل على التحول إلى الثبوت فلا يُسمّى الخطيب خطيباً من أول خطبة بل بعد عدة خطب. كما يقال فَقِه المسألة فهو فقِه ويقال فَقُه الرجل أي صار فقيهاً، وكذلك نقول عَسَر الأمر فهو عَسِر ؛ وعسُر الأمر فهو عسير. وبما أن المقعد في الآية (في مقعد صدق) ورد في مقام الاستمرارية وجب قول مليك مقتدر (عند مليك مقتدر) . “الحياة / الحيوان” قال تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت 64). الحيوان : مصدر على وزن فعلان مثل غثيان وفيضان ودوران وغليان. والحيوان : صيغة في المصادر تدلّ على الحركة المستمرة والحدوث وهي أعلى أنواع الحياة لأن من أهم صفات الحياة الحركة ، فالحياة الدنيا عبارة عن نوم وسُبات بالنسبة للآخرة وهي ليست حياة إذا ما قورنت بالآخرة من حيث الحركة المستمرة ، والآخرة كلها حركة وفيها سعي وتفكر وانتقال وليس فيها نوم. ولو استعملت كلمة الحياة لدلّت على التقلب فقط ولم تدل على الحركة والحدوث فناسب استعمال كلمة الحيوان مع الحركة والحدوث الذي يكون في الآخرة , وللحديث تتمة في مقال قادم .