مازلنا مع اختلاف ألفاظ الصيغ في القرآن الكريم ومنها: “همّاز/ همزة” قال تعالى (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (الهمزة 1) وقال تعالى (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (القلم 11) الفروق بين الآيتين في الصيغ , فصيغة (همّاز) هي صيغة مبالغة على وزن فعّال تدل على الحرفة والصنعة والمداولة في الأصل مثل نجّار وحدّاد وخيّاط. وعندما نصف شخصاً ما ب (كذّاب) فكأنما نقول إن صَنعَتُه الكذب. أما صيغة هُمَزة فهي مبالغة بالتاء وهناك أكثر من نوع للمبالغة بالتاء: ما أصله غير مبالغة وبالغ بالتاء مثل راوي - راوية (للمبالغة) وهي في الأصل صيغة مبالغة ونأتي بالتاء لزيادة المبالغة. ما أصله صيغة مبالغة ثم نأتي بالتاء لتأكيد المبالغة وزيادتها ، مثل : (هُمزة) فأصلها (هُمَز) وهي من صيغ المبالغة مثل (حُطَم غُدَر فُسق) ، فنأتي بالتاء لزيادة المبالغة. ويقول أهل اللغة : ما بولغ بالتاء يدل على النهاية في الوصف أو الغاية في الوصف، فليس كل (نازل) يسمى (نازلة) ، ولا كل (قارع) يسمى (قارعة) حتى يكون مستطيرا عاما قاهرا كالقيامة والصاخة والطامة. فهذا التأنيث للمبالغة بل الغاية في المبالغة، وهذا ما تدل عليه كلمة (هُمَزة). “أنزل/ نزّل” (أنزل) على صيغة أفعل و(نزّل) على صيغة فعّل وهي تفيد التكثير كقوله تعالى (تفجُر لنا من الأرض ينبوعا( الاسراء90) وقوله (فتفجّر الأنهار) استعمل صيغة (تفجر) للينبوع والصيغة التي تفيد التكثير (تُفجِّر) للأنهار لأنها أكثر. كما أن فعّل تفيد التدرج كما قالى تعالى (نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل (آل عمران 2) وقوله تعالى (وأنزل التوراة والإنجيل(آل عمران48) وقوله تعالى (والكتاب الذي نزّل على رسوله(النساء136) هنا التنزيل كان منجمّاً وصيغة (نزّل) تفيد الاهتمام، أما في قوله تعالى (وأنزل التوراة والإنجيل) جاء الفعل (أنزل) لأنه نزل جملة واحدة. “عسر/ عسير” قال تعالى (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (القمر 8) من أوزان الصفة المشبّهة فعِل وفعيل فتأتي هاتين الصفتين للمبالغة أو صفة مشبّهة، يُقال فرِح وطويل. و نقول مثلاً صيغة “أفعل” ؛ مثل : “أحمر” تستعمل للنعوت والحُلى الظاهرة. “عسِر” تستعمل للأشياء الداخلية، بينما “أعسر” تستعمل للصفات الظاهرة والجسمية. فكلمة “عَسِر” غير “عسير” فيقال : عسِر عليه الأمر فهو عسيِر فالأمر خاص به ؛ قد يكون عسِراً عليه لكنه ليس كذلك على غيره ؛ فقد يعسر أمر ما على طفل ولا يعسر على من هو أكبر منه. فكلمة (عسير) تقال عندما يكون الأمر عسير في ذاته صعب، أما “عسِر” فهو نسبي. وقد وصف تعالى قول الكافرين الذين يقولون (هذا يوم عسِر) لأنه نسبي لهم والله تعالى ييسره على من يشاء. هو لا شك يوم عسير كما وصفه تعالى (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (المدّثر 9-10) فهو على الكافرين عسير لكن قد لا يكون كذلك على غيرهم. ولو لم يحدد الله تعالى أنه عسير على الكافرين لكان عسيراً على الكل. “صبّر/ صبور” قال تعالى(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (الشورى33) ما الفرق بين صبّار وصبور؟ صيغة “فعّال”: من الحِرفة، والعرب أكثر ما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وعطّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعّال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب، وعليه فإن كلمة (صبّار) تعني الذي يحترف الصبر. صيغة “فعول”: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاص به، فإذا قلنا “صبور” فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار.