انقضى شهر الصوم الذي يكبح جماح النفوس ويحاصر شرورها، وكثيراً ما نلمس استكانة النفوس لروحانية الشهر فيخرج الناس منه بأفضل حالٍ مما كانوا عليه من قبل. هذا الأمر ينطبق تماماً على النفوس وأصحابها الذين مازالوا على الفطرة الإنسانية السوية التي لم تعبث بها بعد أيادي الشيطان ونزواته، ولم تطلها همجية فكر الشر المتمرد على كل القيم، الفكر الذي لا يعترف بحقوق الآخرين في الحياة ولا بحقهم في حياة آمنة مستقرة ولا يؤمن بحرمة الزمن والمكان ولا بالقربى ولا بالوطن. استطاع رمضان ويستطيع هو وسائر المناسبات الدينية ترويض النفوس التي لم تعتنق بعد دين الشر والفوضى والإرهاب، وهو دين لا علاقة له بالأديان السماوية قاطبة لكنه خاص بأصحابه ومن صناعتهم وهم الذين يشرعون لأنفسهم ما يفعلون من شرور ومن قتل وخراب وحبالهم موصولة إلى شياطينهم في الشرق والغرب. هؤلاء فقط الذين لم يستكينوا خلال شهر رمضان نهاره وليله، فظلّوا يمارسون غوايتهم في محاربة أهلهم وناسهم وأوطانهم دون رادع من قيم وأخلاق ودون اكتراث أو اعتراف برمضان ولا بغيره من المناسبات الدينية التي يستيقظ فيها الخير والعمل الصالح ويعود أكثر الناس فيها إلى رشدهم و(لايزال الإنسان في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً). لكن هؤلاء الذين تمردوا على رمضان وعلى كل القيم والأعراف الدينية والإنسانية وتشريعاتهما لا تحلو أوقاتهم ولا تكتمل سعادتهم إلا بإراقة الدماء، وهذا الذي رأيناه وسمعناه منهم طيلة الأيام الماضية فرحين بكل قطرة دم تراق وكل نفس تُقتل ويعلنون عن نواياهم في فعل المزيد. الحقيقة أن النفوس التي يصل شر أصحابها إلى هذا المستوى لم تعد على الفطرة السوية، وأن الشر الذي لا يكبح جماحه شهر رمضان وكلام الله ورسوله يكون أصحابه قد تعدوا حدود الله ولم يعد يربطهم رابط بالدين الذي يدّعون الانتماء إليه والعمل تحت رايته ويتحدثون باسمه وعن مبادئه وقيمه. الذين يترصدون الناس في الطرقات من المسلمين وغيرهم من الأبرياء الآمنين في رمضان أو في العيد أو غير ذلك من أيام الله والمناسبات الدينية هم صناعة الشياطين ونتاج ثقافته وفكره، لكن أعمالهم في رمضان التي سمع بها العالم جاءت دليلاً قاطعاً على استفحال الشر في نفوسهم وعلى درجة الإجرام التي وصلوا إليها. نعرف أناساً كثيرين ترتفع لديهم مؤشرات الشر لكنها لا تصل إلى هذه الدرجة التي تتمرد على كل القيم والتشريعات، ونراهم في رمضان وقد استكانوا وهدأوا ثم إنهم يظلون على استكانتهم لأيام كثيرة بعد رمضان وإن عاد الشر لا يعود إلى سابق عهده بل يتراجع إلى حدود دنيا. ولذلك أقول إن من لم يصلحه رمضان ولم يكبح جماح شره فلن تصلحه باقي الشهور والأيام، وعلى الناس أن يحذروا من كان على ذلك الحال، ويدركوا أن أشرار رمضان الذين نشطوا في أبين وغيرها هم أعداء لكل الناس في طول البلد وعرضه، ولن يقف شرهم عند محافظة واحدة، ولن يتوقف عند زمن محدد، فاحذروهم وتصدوا لهم جميعاً.