قلنا أمس إن التعاليم التلمودية اليهودية كانت لها آثار مؤكدة على بعض الفرق المسيحية، وبدت تاريخياً كما لو أن لها أيضاً حضوراً في ما يُسمى بالاسرائيليات في الآداب الدينية التدوينية في التراث العربي الإسلامي، وخاصة في السير والملاحم. وحتى نقف على بعض معالم هذه الآثار لا بأس من تحديد ماهية التلمود قياساً بالتوراة، وملاحظة بانورامية التلمود وتنوع أنساقه ومعارفه قياساً بالأصل التوراتي المعتمد لدى المعابد اليهودية والكنائس المسيحية، كما لابد من التفريق بين التوراة المذكورة في القرآن الكريم، والعهد القديم من الكتاب المقدس للمسيحيين، والذي يكتمل بالعهد الجديد أو الإنجيل. والحاصل هو أن التوراة المذكورة في القرآن لا علاقة لها بالعهد القديم وذلك تأسيساً على الرؤى التي تشير إلى أن هذا العهد القديم الماثل بين أيدينا مسطور من قبل حاخامات الأسر اليهودي في بابل القديمة. والحال فإن العهدين القديم والجديد من كتاب المسيحية المقدس ليس معتمداً لدى اليهود، لأنهم لا يعترفون أساساً بالمسيحية، وتالياً بالإسلام، فيما يعترف الإسلام بالديانات السابقة عليه وكامل الأنبياء والرسل، سواء ذكروا في القرآن أم لم يذكروا، راجع إن شئت سورة “الأنبياء” في القرآن الكريم.. التلمود هو تفسير كتاب اليهودية الدينية، ولذك فالتلمود يوازي التفسير والتأويل في الآداب الدينية، لكنه ليس كتاباً للأغيار، بل هو من كتب الأسرار المحجوبة عن غير اليهود.. ورد في آدابنا القديمة عن عطاء ابن يسار عن كعب الأحبار؛ قال: علمني أبي التوراة إلا سفراً واحداً كان يختمه ويدخله الصندوق، فلما مات أبي فتحته.. إلخ، وهذا السفر المختوم والمغلق عليه في الصندوق هو التلمود، وسنرى في رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء ظلال حضور للسر المحفوظ من خلال الرسالة الحادية والخمسين والتي يُشار إليها في الرسائل بوصفها الرسالة الخاصة للخواص من اخوان الصفا وخلان الوفاء من ذوي المعارف الراسية والذائقة العالية، وأنها لا تُقرأ بظاهرها قط.. وللحديث صلة. [email protected]