العلاقة بين اليهودية التاريخية والدينية، والمسيحية التاريخية والدينية تمتد إلى ما قبل ظهور السيد المسيح عليه السلام، والشاهد أن سَدنة الديانة اليهودية من أنصار الشريعة المسطورة في “العهد القديم”، والمفصلة تفسيراً في “التلمود”، هؤلاء جميعاً اعتبروا السيد المسيح عليه السلام يهودياً مارقاً، ولهذا طالبوا بصلبه على الطريقة الرومانية، بل أرغموا ممثل الإمبراطور الروماني على تسليمه لهم بحسب الرواية السائدة لدى المسيحيين. وقد ورد في القرآن الكريم أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، بل شُبّه لهم. قال تعالى {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم} واستتباعاً لذلك كانت القناعة الإيمانية الثابتة لدى المسلمين بأن الله رفعه إليه إلى يوم معلوم سيعود فيها إلى الأرض فيملأها عدلاً بعد أن مُلئت جوراً. كانت التوراة المسطورة في بابل من قبل الحاخامات الذين كانوا في الأسر النموذج الأقصى والأظهر لدين الشريعة المفارق لدين الحقيقة الذي تنزّل على موسى عليه السلام، ويجد القارئ في أسفار العهد القديم منظومة واسعة من القصص والأساطير والأحكام، والكثير من المتناقضات، والأحكام الخارقة للمنطق والعقل، بل السلوكيات والصفات المشينة لأنبياء بني اسرائيل، مما لسنا بصدد تفصيلها هنا. لكن الأخطر من النص التوراتي الثابت في أساس العهد القديم هو التلمود، فالتلمود رديف علمي الكلام والتفسير اليهوديين،مضافاً إليهما النبوآت، كما ورد في حديث «عطاء ابن يسّار» عن «كعب الأحبار» الذي استقاه من السِّفر السرّي المختوم في الصندوق، والذي ورد فيه أن نبياً يخرج في آخر الزمان .. مولده بمكة وهجرته بالمدينة وسلطانه بالشام .. الخ «راجع النص الكامل في مولد الديبعي» . لكن التلمود ليس واحداً كما قد يتبادر إلى الذهن، بل يتعدد بصورة لا مُتناهية، وتبعاً لذلك، يستقر في أساس المُتغير التفسيري والتأويلي، مما يسمح لأتباع الشريعة اليهودية في أن يجدوا حلولاً براغماتية لكامل الأسئلة والتحديات المتغيرة، تناسباً مع المُتغير الزماني والمكاني. ومن خوارق التلمود المتعدد أنه أفسح المجال للتواصل بين اليهودية والمسيحية، وكان القديس المسيحي “بولص الرسول” الرائد في هذا المجال. وقد قرأت لدى الفليسوف وعالم الأديان “روجيه جارودي” أن بولص هو “شاؤول” اليهودي الذي التحق ي ليغيرها من داخلها، ونجح في هذا المسعى إلى حد كبير، ورغماً عن التناقضات التاريخية التي كانت بين أتباع الديانتين، وهذه المسألة تستحق وقفة أُخرى . [email protected]