هذا الرجل الفارس ليس من ثقافتنا, بل جاء من القصص الإسبانية ولكن لابأس من الاستفادة من درسه, فهو فارس لايشق له غبار يذكّر بفرسان العرب بفارق أنه لايقاتل الفرسان المغاوير بل الأشباح, وفي يوم بلغ به الوهم أن الطواحين هي فرسان مقبلة عليه كجلمود سيل حطه السيل من علِ , فبدأ يلوح بسيفه في وجههم ويعدهم بالنكال ويذكرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. وهذه القصة تروي وقائع ميدانية لأناس شتى مظهرهم الخارجي لايوحي بنقص أو علة ولكنهم عندما يتصرفون أو يتكلمون تظهر شخصياتهم كما تلوح الكلمات على شاشة الكمبيوتر صغيرة مشوهة أو عظيمة معبرة. وهناك نوعان من العمر الحقيقي والفيزيولوجي؛ فقد تكون سيدة عمرها سبعون سنة وهي تتصرف بعقل طفل بأقل من سبع سنين وبالعكس فقد آتى الله يحيى الحكم صبياً وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقيا وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً. وعندما خاطب الإمام علي أهل الكوفة في أيامه قال لهم وهم متألم : حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال وددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندماً وأعقبت سدماً. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً, وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً, وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان. ويذهب الفيلسوف أرسطو إلى تشبيه قوم من هذا النوع بزورق فيه سارية عملاقة وشراع هائل فيميل الزورق فينقلب بمن فيه. ونجتمع نحن أثناء ممارساتنا اليومية بأناس نكدين من هذا النوع تلمع على أرنبة أنوفهم نظارات رائعة ويلبسون ثياباً فاخرة وأن يقولوا تسمع لقولهم وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم كأنهم خشب مسندة هم العدو فاحذرهم. يخوضون معارك دون كيشوت فمن أجل تبديل كرسي يجب أن نملأ الأرض عويلاً. ومن أجل أمور تافهة يجب أن نزعق ونثبت وجودنا بطريقة فجة. وإذا دخلنا مطعماً خاصمنا العامل لأنه يجب أن يضع ملعقتين إضافيتين من الرز. ومن أجل تصرف عارض يمكن حله بكلمة طيبة او لفت نظر كريم لابد في نظرنا من فتح ملف تحقيق كامل كيف تأخر عن عمله لمدة عشر دقائق أو كان يجب أن يستأذن في أمر ما لايستحق عناء الاستئذان. في الواقع نحن نقوم بإسقاطات نفسية وترجمات فورية وتعبيرات دقيقة لنفوسنا الصغيرة ولكننا لانشعر بذلك. والقرآن يعلمنا أن نعامل الآخرين بالعفو فهو أقرب للتقوى ولكننا أحياناً وبروح تشدد نظن أن القسوة أقرب للتقوى وننسى الرحمة والحب. إن كثيرا من الأمور التي نواجهها يومياً نظنها كبيرة تحت قانون (ممن تصدر) بمعنى أن الكلمة السيئة أو التصرف الشاذ لو صدر من طفل لم نعره انتباهاً كبيراً ولربما وجهنا له كلمة لطيفة لتعليمه التصرف السديد ولكن هل يمكن نقل هذا لمستويات أخرى فنقدر الكلمات ممن تصدر وبالعكس؛ فإذا صدرت كلمات قبيحة من رجل ذي شأن اعتبرناها هفوة عالم وزلة لسان , ولكل حصان كبوة، وإذا جاء تصرف أعوج من إنسان محدود غفرنا له ذلك لأنه من يرحم يُرحم , والراحمون يرحمهم الله , فهل أدخلنا في حسابنا اليومي الحب والرحمة.