مهما اختلف فرقاء الساحة السياسية اليمنية إلا أنهم يجمعون على إكسير اللا مركزية بوصفه المخرج الأنجع لحال البلاد والعباد، والشاهد هو أن هذه القناعة نابعة أساساً من الفشل الذريع للآليات المركزية التي أثبتت أنها آليات استنفدت شروط وجودها التاريخي، وأصبحت تشكل وبالاً على الحكم والشعب معاً، وإذا كان هناك من يرضى ويقبل باستمرار آلية كهذه، فإنه نوع من البشر لا يعدو أن يكون نموذجاً فاقعاً للمُستغرقين في سُبات الغفلة والجهالة، ممن أعْمتهم مصالحهم الأنانية، وافتقدوا البصر والبصيرة!!. ما يجري الآن هو تأكيد مؤكد على أهمية الشروع في تطبيق آليات إدارية ومالية قائمة على اللا مركزية الناجزة، التي تبدأ بتفعيل نظام الحكم المحلي، وتصل في ذروتها إلى إصلاح سياسي لدولة اتحادية عصرية موحّدة ومتعددة، فالوحدة والتنوع وجهان لعملة واحدة، ومن يرى غير ذلك يكون كمن يقوم بتفسير الماء بعد الجهد بالماء!!، فيقول: إن الماء ماء، بدلاً من الإقرار بحقيقة أن الماء عنصر يتكون من الأكسيجين والهيدروجين. ما يجري في الساحة يؤشر إلى أهمية الشروع في الإصلاح، وتفويت الفرصة على التداعي الحر نحو المجهول، ذلك أن سيئات الماضي القريب والبعيد أصبحت تنوء بكلكلها على المجتمع، وأصبحت الساحة اليمنية نهباً لصراع عدمي، واستقطابات حادة، بمقابل تغوُّل أنصار الحل بالقوة ممن يعتقدون أن الحلول الأمنية والعسكرية يمكنها أن تشكل مخرجاً!!. هذا النفر من المدججين بفكرة الحلول الأمنية يعيدون إنتاج خيبات البروفات المُماثلة في أماكن أخرى من عالم ما بعد الحرب العالمية ضد الإرهاب، ويفسحون الباب لانتعاش حقيقي لإرهاب مُتبادل؛ تارة باسم الدين، وأخرى باسم الديمقراطية، ومستقبلاً بين الجميع كما يحدث تحديداً في العراق والصومال، حيث يقاتل الجميع ضد الجميع ضمن متوالية من العدمية القاتمة. الحوار الذي يُحضّر له بين المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك بوصفهما الممثلين الفولكلوريين لتياري السلطة والمعارضة ينفسحان على مشاركات أُفقية لا تستثني مكوناً من مكونات القشرة السياسية الناتئة، وفي هذا كل الخير، ذلك أن اليمانيين مُطالبون أولاً وثانياً بأن يحلّوا مشاكلهم بأنفسهم، وبإرادة سياسية لا تلين، وأن ينقبلوا على تقاليد الماضي القريب، مُعانقين المستقبل، ومُتخلّين طوعاً عن عهود المفاسد والبلايا!!.