درب المصالحة والحوار البناء بين فرقاء الساحة السياسية اليمنية هو طريق الحق والحقيقة، وقد توافدت مقدمات إيجابية في هذا الجانب، نبدأها بحديث فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الداعي إلى حوار مفتوح دون قيد أو شرط، ونثنيها بما ذهب إليه جل فرقاء المعارضة بطيوف ألوانها، وإجماعهم على أن المخرج الحقيقي للاحتقانات القائمة يكمن في الذهاب مباشرة إلى صيغة لا مركزية تجد مقدماتها في كامل المنظومة السياسية والتشريعية التي تشكل في نسيجها العام عقبة أساسية نحو هذا الانتقال. لم أجد شخصياً تفارقات جوهرية في النماذج المقترحة والخطابات السياسية المتكاملة في ما تتوق إليه من نماذج، ولكن المتعاركة خطاباً بطريقة أكروباتية، ولا استوعب إصرار البعض على السير في درب المكايدات السياسية والتنابذات الصغيرة، وكيل التهم المتبادلة. لقد آن الأوان للاحتكام الجمعي لحكمة التاريخ والحقائق الوجودية، بالإضافة إلى كامل المنجزات والإخفاقات التي تشكل بجملتها أسباباً محفزة للانتقال. اليمن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الحوار المحكوم بالتخلي الشجاع عن مقدمات الماضي القريب، وإما الذهاب بعيداً في متاهة التنابذ العدمي الذي سيفسح الطريق لمزيد من متواليات الصراعات الخسيسة. ومن الخير كل الخير أن يشرع العقلاء في ترميم الدرب للطريق السالك.. طريق الحق والحقيقة، وفي هذا الباب لابأس من تفعيل تطبيق برنامج الرئيس الانتخابي، وتفعيل قانون الحكم المحلي، والشروع في تحويل مهمات المحليات إلى صيغة مؤسسة تفتح الباب للنماء الأفقي، وتجعل الجميع شركاء في الفعل والمبادرة والإنجاز.. ولابد من تحرير السلطة المركزية من ربقة الارتهان للتفاصيل الصغيرة التي أصبحت تثقل كاهلها وتتعب المجتمع ، ولابد من الشروع فوراً في تعمير آليات مكافحة الفساد وخاصة الفساد المالي والإداري الذي أصبح عائقاً أمام الإصلاح، وفي هذا الباب لم يعد هناك وقت لتأجيل إطلاق الخزانة العامة للدولة بوصفها الضابط الحاكم لانسياب المال العام، وتكليف المحافظات بالإشراف الفعلي على موازنات التنمية المحلية، والتخلي الإجرائي عن بعض الوزارات التي لم تعد لها وظيفة حقيقية في ظل الشفافية والتعددية. يقينا إن النخبة السياسية مستوعبة لهذه الضرورات، وإن اليمن بحاجة إلى فن إدارة الأزمات بدلاً من الإدارة بالأزمات، مما لا يخفى على كل عقل لبيب.