يتحدث في هذا الحوار الصريح الدكتور والمفكر اليمني المعروف عمر عبدالعزيز عضو الحوار الوطني، والخبير الاستراتيجي الذي أشبع الحوار بالكثير من المفردات العلمية والفلسفية التي تكشف عن العمق الفكري والتحليلي للدكتور في تفاصيل المشهد اليمني.. عن حالة مشهد الحوار الوطني في اليمن، وعن رؤى الأحزاب المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني، وعن تجربة الحزب الإشتراكي في الحياة السياسية الوطنية، والقضية الجنوبية وتعقيداتها، وغيرها من التفاصيل في ثنايا هذا الحوار،، * أكثر من شهر ونصف مرت على انطلاق الحوار الوطني، كيف تقرأ الحالة في مشهد الحوار الوطني؟ - أنا أقرأ المشهد من زاوية التفاعلية القائمة داخل الحوار من جهة، ومن زاوية التكاشف والتواجد من مختلف الأطراف التي كانت تتخندق كلٌ في زاويته الخاصة، ولكنهم الآن موجودين معا.. نتحدث سواء الذين ينتمون إلى الأحزاب السياسة أو المكونات الأخرى أو حتى المستقلين الذين يمثلون جزء من الذاكرة الجمعية للمؤتمر. من هذه الزاوية نكون في محطة جديدة على أننا شركاء في الفعل شركاء في الرأي شركاء في وجهات النظر.. وهذه تُعلمنا فن التخاطب من جهة وفن الخلاف والاختلاف، وتجعلنا نتلمس تباعا وبالتدريج المصلحة العامة التي تقتضي مننا أن نكون وسطيين، وسطيين بالمعنى الشامل للكلمة وليس بالمعني الديني فقط؛ لأن الوسطية شاملة تعني تماما، تقبل الآخر بوصفه ضرورة لرأيك حتى وإن كان مخالف لك، لكن المخالفة في الرأي تعني في نهاية المطاف أنك تعيد النظر في ما أنت عليه فإما أن تكون محقا فتزداد يقينا وإما أن تكون مخطئا فتتكشف على جديد.. هذا هو الأمر المعنى العام للكلمة والمعنى الفلسفي، ومن هذه الزاوية أنا أعتقد أن هذا العصف الفكري الذي يجري في إطار أروقة مؤتمر الحوار الوطني سيؤدي حتما لا محالة إلى تبلور رؤية وطنية مشتركة تجاه القضايا الجوهرية والأساسية وخاصة ما يتعلق بالمستقبل، وليس بتقييم الماضي.. نحن علينا أن نلتفت إلى المستقبل كثيرا، أن نغادر إجرائيا الماضي وليس بالمعنى الكلي للكلمة؛ لأن استرجاع الماضي فيه حكمة وفيه عبرة وموعظة، ولكن هذا الاسترجاع لا بد أن يكون قائم على أساس المستقبل وأن يكون المستقبل هو الهدف الذي نرنو إليه، ولكي نتحقق من المستقبل الحقيقي علينا أن ننظر في الدولة القائمة هل هي دولة مناسبة لهذا العصر؟ بغض النظر عن صراعاتنا السابقة. * هذا سيكون في مجريات الحوار، لكن وأنت تتحدث عن مسألة الاسترجاع للماضي، الواضح أن المكونات السياسية ما زالت تسترجع الماضي في إطار التجاذبات السياسية في ما بينها من خلال الرؤى التي قدمتها حتى الآن؟ - في أدب الاسترجاع للماضي كما هو الحال في النماذج الإنسانية المختلفة، هذا الأدب "الاسترجاعي" أو الفقهي "الاسترجاعي" للماضي -إن جاز التعبير- يعني تماما أن في الماضي شفرة المستقبل، وأن في الماضي أشياء يفترض أن تُترك باعتبارها أمرا كان وله معنى في إطار الانتخاب أو الاختيار أو الانتقال لما هو قادم، لكي يكون سببا للمستقبل، ففقه "الاسترجاع" هو مهم جدا؛ لزاوية أننا لا نسترجع ماضينا الخاص فقط، لكننا نسترجع التاريخ الإنساني حتى نعرف أين نحن من هذه المعادلة، وخاصة التاريخ الإنساني المعاصر الذي يرينا بعض إشكالياتنا بعدسات أخرى وبزاوية أكثر انفراجا من الزاوية الضيقة التي تتمحور حول كل ما هو محلي فتتوه في دائرة مغلقة.. الجانب الثاني أن هذا الاسترجاع يعني ببساطة أننا لا بد أن نوطن أنفسنا على أن ننظر إلى المستقبل وأن نكتشف الخلل الجوهري في المعادلة الماضوية، ماذا كان هذا الخلل، إذا حددنا هذا الخلل الجوهري، في هذا الحالة نستطيع ان نعرف آفاق الحل، وطبعا هنالك اجتهادات مختلفة في ما يتعلق بطبيعة الخلل الجوهري.. لكن أنا بالنسبة لي على الأقل أعتقد أن مشكلتنا هي الدولة، طبيعة الدولة القائمة، وبالتالي الفقه "الدولتيه" التاريخية إن جاز التعبير انتهكناه بهذه الدولة.. ولسنا نحن فقط، ولكن في عديد من البلدان العربية لأن فقه "الدولتيه" التاريخية في المنطقة العربية على الأقل كانت قائمة على رؤيتين: رؤية الحاكمية التاريخية السلطانية النابعة من جذور تاريخية وفي نهاية المطاف كانت تؤدي إلى أوتوقراطية ملكية أو سلطانية سمها ما شئت، وفقه جديد اسمه فقه الدولة الجمهورية الذي لم يمارس عمليا حقيقة في كل الجمهوريات العربية.. الجمهوريات العربية تحولت إلى جمهوريات أشبه بجمهورية الموز في ولايات أمريكا على أيام "الأوليجاركية" العسكرية، "الطغم" العسكرية في ولايات أمريكا، وبالتالي لم يعد لها أي علاقة بفقه الجمهورية فيما يتعلق برؤية الدولة الجمهورية. تاليا انعكس هذا الأمر على بنية الدولة بطبيعة الحال، فأصبحت بنية الدولة بنية فارغة من مضمونها، أصبحت "نمر من ورق"، بنية دولة لكن في نهاية المطاف ليس هناك قرار تشاوري وليس هناك بعد مؤسساتي يستق مع القوانين الناظمة لهذا البعد المؤسساتي، وهنالك إرادة فردية في نهاية المطاف. بطبيعة الحال أي كان لأني لا أتحدث على الرئيس السابق ولا الرؤساء السابقين في البلدان العربية، ولكن أيا كان في هذه البيئة لا بد أن يكون كذلك. * بخصوص مسألة هوية الدولة وبناء الدولة، الآن الأحزاب قدمت رؤاها ولعلك تابعت ذلك.. هناك من يقول أن هذه الرؤى ما زالت ضبابية جدا فيما عدى رؤية الحزب الاشتراكي، كيف قرأت تلك الرؤى المقدمة من الأحزاب؟ - أنا قرأت بعض الرؤى المتعلقة ببناء الدولة على وجه التحديد، وهي رؤى متعددة ومن منطلقات مختلفة، وكل منطلق من هذه المنطلقات له مسوغاته، لكن المشكلة الكبيرة جدا أن المصوغ السياسي لهذه الجهة أو تلك كان عامل أساسي في تقديم بعض الرؤى. ولكن بطبيعة الحال أعتقد أن بعض الأحزاب وبعض المكونات السياسية ناضجة إلى حد كبير جدا عركتها التجربة ومارست الدولة ومارست العمل المؤسسي. وأنت سألت عن الحزب الاشتراكي، وهو مشروع قديم في الحركة السياسية الوطنية اليمنية. * الحديث عن أن رؤية الاشتراكي في مسألة بناء الدولة كانت واضحة وأكثر عمقا بخلاف الأحزاب الأخرى؟ - مشروع من أين تنبع هذه الرؤية.. في نهاية المطاف عندما نتكلم عن ذاكرة الحزب الاشتراكي اليمني، نتكلم عن ذاكرة تاريخية سابقة حتى استقلال الشطر الجنوبي من الوطن.. نتكلم عن ذاكرة تاريخية. وفي النهاية كانت روافد وطنية متعددة من جهة، حتى أني أزعم أني في تجربة الحزب الاشتراكي اليمني لأني طرف فيه يوما ما. هذه التجربة كنا نريد الذهاب بعيدا جدا فيما يتعلق بالمراحل المتعلقة بالتطور. قد يكون تم انجاز على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الدولتي وعلى المستوى القانوني، تم انجاز في هذا الجانب، لكننا لم نستطع أن ننتزع بذور العصبيات في مكون الحزب في القشرة الفوقية للحزب. وبذور العصبيات هذه تمترست بالجيش والأمن وما إلى ذلك، وكانت سبب في إجهاض جزء من تجربة الحزب الاشتراكي المتعلقة بالصراعات السياسية في الجنوب سابقا، لكن ظلت بنية الدولة والبنية المؤسساتية والبنية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية أمرا مؤكدا وثمرة كبيرة من ثمار اليمن، التي كان من المفترض تمثلها في دولة الوحدة. للأسف الشديد لم يتم تمثلها، وبالتالي تم التعامل مع الحزب الاشتراكي في إطار دولة الوحدة على قاعدة الخلافات العصبوية وما إلى ذلك! * الآن لربما طرأ على الحزب الاشتراكي شيء من التجديد.. من ضمن هذا التجديد التأكيد في رؤيته المقدمة حول شكل الدولة على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات، كيف تنظر لهذا- خصوصا أنه حصل انتقاد كبير من داخل الحزب نفسه لمسألة الشريعة؟ - نحن نتكلم في مسألة مهمة جدا، مشكلة أن الذين يناقشون في الشريعة الإسلامية يتحدثون عن اليمني كما لو أنه خارج نطاق الشريعة. *"مقاطعا".. عفوا، الحزب الاشتراكي قدم رؤيته على اعتبار أن الشريعة هي المصدر الوحيد وحدث انتقاد من قبل أعضاء في الحزب؟ - لا.. وهل كان الحزب الاشتراكي يوما خارج نطاق الشريعة؟ معليش اسمح لي.. الشريعة الإسلامية هي الفضيلة؛ ولهذا السبب كتب يوما ما ابن رشد مقال مهم جدا "فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال"، حيث الحكمة كانت رديفة الفلسفة والشريعة رديفة التشريع الديني الإسلامي، فكانوا يفتعلون صراع عبثي بيزنطي وهمي بين الشريعة والحقيقة وبين الشريعة والحكمة، فقال: لا يوجد خلاف إذا كان الهدف هو الفضيلة، القاسم المشترك بين الطرفين، الذي يحقق هذه الفضيلة والذي يحقق معنى الإنسانية ومعنى العدل ومعنى التوازن ومعنى الحقيقة.. هذا هو الذي يتسم مع الشريعة، تبعا لذلك ليس كل من رفع لواء الشريعة يحمل الشريعة.. هذه كذبة كبيرة جدا، ولكن الشريعة في مقاصدها وفي جوهرها تعني تماما الحق والعدل والمساواة والتراحم وما إلى ذلك. في هذا الأفق التجربة الجنوبية (تجربة الحزب الاشتراكي في الجنوب)، قدمت الفضيلة في مستويات معينة كما هو الحال في الجانب الاجتماعي وكما هو الحال في الجانب المتعلق بمشاركة التعامل مع العجزة والضعفاء، كما هو الحال في نظام الضمان الاجتماعي الشامل الذي كانت تشمل الجميع كما هو الحال في أرقى البلدان، وكما هو الحال فيما يتعلق بالمساواة بحكم القانون بتفعيل المحاكم إلى أخر ذلك.. ومن هذه الزاوية أنا أقرأ الشريعة ولا أقرأها بوصفها نصوصا توظف لأغراض سياسية. * لكن النقد يا دكتور حدث داخل الحزب الاشتراكي نفسه، واليوم هناك ندوة في مقر الحزب من أجل نقد تلك الرؤية، حتى أن بعض أعضاء الإشتراكي قالوا: كفرنا بتلك الرؤية، ما جعل الدكتور ياسين سعيد نعمان يدخل أمس الفيس بوك من أجل الدفاع عن الفكرة؟ - ما أدري، ومتى كان في تحفظ على الشريعة الإسلامية؟ هي مصدر من مصادر التشريع. * مثلا في ما قبل 94م كان هناك خلاف حول مادة الدستور رقم (3)، وخرجت مليونية الشريعة في صنعاء من أجل المطالبة بالإبقاء على المادة؟ - أنا أريد أقول لك حاجة، فيما يتعلق في قراءة الفكر الديني، وأنا لا أتكلم عن الفكر الديني وإنما أتكلم عن الدين الإسلامي بوصفه قراناً، الفكر الديني هو قراءة لها علاقة بعلوم الكلام ولها علاقة بعلوم التفسير ولها علاقة بفقه المقاصد ولها علاقة بفقه المعاملات وغيرها، وهذه القراءة ليست قراءة واحدة على مدى التاريخ وهي متغيرة على مدى التاريخ؛ حتى أننا نرجع إلى علوم الكلام التاريخي وإلى كتب التدوين التاريخي التي كانت مؤصلة لعلوم الكلام سنجد تفارقات واختلافات لا أول ولا آخر لها، هذا أمر دنيوي، حتى أنك في إطار المذهب الواحد والفريق الواحد ستجد عشرات الملل والنحلل، بالمعنى الكلامي للكلمة وليس بالمعنى الديني العميق، بالتالي قراءة الدين في آفاق متغايرة ومتجددة أمر طبيعي وبسيط جدا، لكنني أنظر إلى جوهر الأشياء ولا يهمني الشكل. أنا أعتقد أن من يقترب من تحقيق العدل والمساواة، وأنسنه الوجود متسق مع الحق ومتسق مع القرآن ومتسق مع الدين ومع الشريعة، وليس الأمر نصوصا جامدة، ولا تابوهات مغلقة.. * حتى لا نذهب بعيدا، موضوع القضية الجنوبية كأحد أهم القضايا المطروحة في الحوار الوطني، برأيك أين يكمن مشكلة التعقيد في هذه القضية ؟ - القضية الجنوبية هي قضية جنوبية يمنية بالمعنى العميق للكلمة.. باختصار شديد، هي قضية وطنية لأنها تضعنا أمام سؤال عميق جدا وهو لماذا حصل ما حصل في المناطق الجنوبية؟ من السبب في ما حصل؟ ولماذا هذا النوع من الارتكاس المعنوي والروحي الذي تفارق بين التوق العظيم للوحدة والعمل من أجله منذ الاستقلال وما بعد ذلك إلى هذه الحالة من القنوط واليأس؛ وحالة من الاعتبار بأن هنالك مستويين يتفارقان: مستوى دولتي قائم على انتظام الحياة - بشكل بسيط- بالنظام والقانون والحقوق البسيطة المدنية العادية، ومستوى آخر مغاير جذريا؟ كثير من الناس في المحافظات الجنوبية يشعرون بهذا الأمر؛ لأنه وإن كانت هنالك خلافات سياسية في الشطر الجنوبي، إلا أنها كانت خلافات نخبوية وكانت تحسم في إطار فوقي - على كل دراماتكيتها وتراجديتها وأخطائها، وحتى في جوهرها كانت موصولة بأنساق من العصبويات التي تلاقحت مع الجيش وما إلى ذلك.. لكن لم يكن أحد يجرؤ على نهب المال العام، ولم يكن أحد يجرؤ على انتهاك القانون، ولم يكن أحد يجرؤ على اعتبار الموازنات موازنات أسمية وليست فعلية، ولم يكن أحد يجرؤ على مخالفات. فالناس أصيبوا بصدمة لأن الدولة الضامنة راحت وتغيرت، ولم يدركوا هذا الأمر إلا بعد حرب 94 بشكل أكثر فداحة؛ لأن بعد 94م حصل نوع من الاستباحة للمواطنين اليمنيين، لأننا نعتبرهم مواطنين يمنيين سواء كانوا في صنعاء أو في عدن أو في تعز، حصل درجة عالية من الاستباحة التي لا نستطيع التحدث عنها الآن.. أراضي الدولة البيضاء، التي كانت الدولة هي الفرمان هي الأساس في منحها لمن تريد من خلال معايير معينة ومخططات المواطنين السكنية وظائف الناس.. الخ؛ فهذه خلقت صدمة عند الناس وبالتالي نشأ مزاج حقيقي يعتقد أن هنالك مستويين يتفارقان على مستوى الهوية. كانت المواطنة اليمنية واحدة وفي ظل الدولة الشطرية كنا موحدين على هذا المستوى.. الأحوال الشخصية كانت واحدة في الشطرين.. اليمني هو اليمني أينما ذهب؛ ولكن كان هناك نظامان: نظام في صنعاء وآخر في عدن. الذي حصل أن النظام في عدن على كل سيئاته كان على الأقل في ما يتعلق بمفهوم الدولة والقانون والمشاركة أفضل بكثير من الجمهورية العربية اليمنية، لكن ما بعد ذلك حصل نوع من التعميم القسري لنظام الجمهورية العربية اليمنية المقرون "بالأوليجاركية" العسكرية والمالية المتعدية على الوطن ككل وليس فقط على الجنوب، لكن فداحة الأمر في الجنوب كانت أكبر. بالتالي نحن الآن نحن نبحث عن استمرار اليمن الواحد في إطار تعدد الأنظمة. *كيف يمكن أن تستمر الوحدة الوطنية في إطار تعدد الأنظمة؟ - تستمر: يمن واحد ونظامين، يمن واحد وثلاثة أنظمة.. ما فيش مشكلة. ربما الأمر يحتاج تفسير أكثر؛ بالنسبة لي أعتقد أن واحديه اليمن تعني واحدية المواطنة، واحدية الحق والواجب، واحدية الدولة.. ولكن تعدد الأنظمة يعني أن يكون عندنا أنساق نظامية "دولتية" متعددة بحسب مقتضيات الحال؛ لأن كل منطقة من مناطق اليمن بيئتها الخاصة. وعندما أقول دولة ونظام، يمن ونظامين.. لا أقصد نظامين بالمعنى الحصري، ممكن يكون ثلاث ممكن يكون أربعة ممكن حتى خمسة، بعضهم يقول أقاليم، أنا أنظر لها بشكل أكثر جذرية.. فلتكن هناك أنظمة متكاملة في كل منطقة من المناطق بكل بساطة. * هذه الأنظمة المتعددة في إطار اليمن الواحد ألا تسلب الوحدة الوطنية؟! - لا، إذا كانت ما سلبت الوحدة الوطنية في الصين ولا في الهند.. خذ تجربة الصين، لما استلموا هونج كونج وهي مدينة قالوا صين واحد ونظامين، ولم يتدخلوا قيد أنملة في نظام هونج كونج؛ هذا مثل إنساني بسيط، لكن أقول نحن في اليمن كيف نحافظ على الوحدة بأي صيغة؟ هذا هو السؤال المفترض. * ما هي الصيغة التي نستطيع أن نحافظ على الوحدة من خلالها؟ - نحافظ عليها في إطار تعدد الأنظمة. وأيش معنى تعدد الأنظمة؟ ليس استلاما لهوية الدولة الواحدة ولا استلاما لثقافة الدولة الواحدة، ولا استلاما للمواطنة الواحدة؛ لأن هذه حقيقة تاريخية.. ولكن نعطي أنفسنا فرصة تعظيم الأفضليات في كل أقليم؛ في كل أقليم أو في كل نظام - سمه ما شئت ليس مهما الاسم- أعطي هذه الأفضليات المتاحة أفقيا، حتى تتبلور ملامح الدولة الاتحادية. المشكلة عندنا عندما نقول ما هو المسمى، ليس هذا هو المهم، الجوهر هو كيف نبقى موحدين في اليمن ونستوعب الضرورات الموضوعية. * من خلال وجودك في الحوار وقراءاتك للعقل الجمعي في مؤتمر الحوار الوطني، إلى أين تذهب رؤاهم؟ هل نحن ذاهبون إلى الفيدرالية؟ - الآن الاستيعاب هو دولة فيدرالية متعددة الأقاليم، هنالك من يقول اقليمين، لكن في نهاية المطاف الكل مُجمع على التخلي عن الدولة السابقة لأنها لم تعد ضامن لاستحقاقات الدولة الكبيرة. الدولة استنفذت أغراضها التاريخية.. مش الآن، من زمان. * هل تشعر أن هناك إرادة سياسية قوية من أجل تنفيذ مخرجات الحوار؟ - أعتقد أن الكثير من العقول النيرة مستوعبة لمرونة المستقبل، وبطبيعة الحال نحن نسحب معنا قاطرة صعبة، هذه القاطرة الصعبة فيهم "الاستقطابيين" وفيهم "المتمترسين" وفيهم "القبائلين" بالمعنى السلبي للكلمة وليس بالمعنى الطبيعي للكلمة.. كل شيء فيه، لكن في نهاية المطاف هنالك عقل يرحج. وأنا أتمنى أن تسود الحكمة اليمانية؛ لأننا كنا حكماء في التوافقية السياسية التي حصلت بعد ثورة الشباب... كنا أكثر حكمة من كثير من البلدان العربية لأننا قبلنا بتوافقية سياسية وحقنا الدماء، ولكن هذا فرس رهان.. إلى متى سنستمر على هذا الحال؟ نحن بحاجة إلى توافقية التوافقيه، على قاعدة استيعاب منطق الدولة الجديدة القادمة، وعلى قاعدة استيعاب أن نكون كلنا شركاء، وعلى قاعدة أن ندرأ المخاطر. وعلنيا أن نعتبر مما يحصل في كثير من الدولة العربية، من مصر إلى ليبيا إلى سوريا، وبيئتنا أيضا مؤهله لما هو أفدح من هذا..! * والعامل الأجنبي هل له دور في تنفيذ هذه المخرجات؟ - شاءت الأقدار، ومن محاسن الصدف، كان هناك إجماع إقليمي ودولي؛ وكان هذا في لحظة تاريخية اسميها أنا بالصدف التاريخية المربوطة بالضرورات وبالحقائق الوجودية.. صدفة لم يتمتع بها غيرنا من الناس، وكانت لصالحنا بكل الأحوال. * البعض يعتبر العامل الأجنبي سلبيا وليس ايجابيا، باعتباره تدخل في الشأن العام؟ - لا، بالعكس.. تخيل لو أن مجلس الأمن كان منقسماً كما هو الحال بالنسبة للشأن السوري، تخيل لو أن المتارس كانت مستمرة بصنعاء.. كان سينشط أمراء حرب جدد أفدح بكثير من أمراء الحرب السابقين الذين كانوا يعملون بنياشين الدولة، وعندهم قليل من عقل الدولة وجرعة من استيعاب المؤسسة. لكن تخيل لو نشأ أمراء حرب جدد كما هو الحال في سوريا، بالتالي كنا سندخل في مصيبة. لكني أعتقدها عناية من الله أنه حصل هذا النوع من الإجماع وحصل التقبل من الداخل لهذا الإجماع. وأنا أقول أن مثابة التغيير هي للكل، كل من قبل بهذا القدر أو ذاك بالتغيير أو أسهم في صنع متغير، حتى لا نُصدر أحكام الأبيض والأسود. كان يمكن كثير من طيوف الألوان المعسكر السياسي -إن جاز التغبير أنها تفجر الأوضاع في البلد. * هل كان هذا الإجماع نابض عن أهمية اليمن وضرورة استقراره؟ - لا، هو الظرف التاريخي ساعد؛ وإلا فسوريا مهمة ومصر مهمة، ولكل بلد يتموضع في جغرافية زمان ومكان مهم وله أهميته الخاصة بالنسبة للكون. ما في بلد أهم من بلد آخر، على الإطلاق. * أقصد بالأهمية الموقع البحري والممر الدولي؟ - لا؛ كل بلدان العالم.. نعرف أنه البعد اللوجستي السياسي أصبح كما لو أن كل نقطة في هذا الكون تؤكد كروية الأرض، وكلها مهمة. نحن نتكلم ونقول أن اليمن على بحار صحيح، لكن الآن العالم كله أصبح مهم، حتى بقعة صحراوية جرداء في منطقة نائية - بالمعنى اللوجستي الجديد المتغير في العالم. وبالتالي هو ليس لأهميتنا البالغة، هي صدفة شاءت الأقدار أن تكون روسيا والصين لهم علاقة تاريخية باليمن، وأمريكا لها علاقة باليمن تاريخيا. وربما وجود شطرين سابقين لعب دور في الذاكرة "الإسترجاعية" لهذا المكان فحصل الإجماع الدولي. والتوافق الإقليمي أيضا حصل ضمن إطار أعطى مكانة استثنائية للمملكة في أن تسوس الأمر في إطار دول الخليج. والمملكة لها رؤيتها الخاصة تجاه الشأن اليمني، ولكن في نهاية المطاف الإجماع الدولي أمر مهم.. وأن يكون هنالك رعاة من الدول العشر، وأن تراهن الأممالمتحدة على نجاح هذه التجربة الانتقالية، هذا بساط أخضر مفروش لليمنيين. علينا أن نفهم مغزى هذا الكلام وأن نكون بمثابة أن نقدم نموذج يجعل الأممالمتحدة تنجح على مدى هذه العقود نجاحاً حقيقياً في إرساء قواعد سلم حقيقي كان مؤهلا ليدخل في احتراب أهلي. * صحيفة اليقين