لن تكون روسيا القادمة مُشابهة لنموذج الاتحاد السوفيتي المندثر بقوة الدفع الحر، كما توقع ويتوقع بعض المراقبين، ولكنها أيضاً لن تغادر التقاليد السوفيتية في جوانب معينة، وخاصة ما يتعلق بالرؤية السياسية الرزينة، وردود الأفعال الكاسحة غير المتوقعة، كما حدث في الحرب الروسية الجورجية، والحضور في مناطق النزاع المسلح من خلال اعتماد نمط فريد للحروب بالوكالة، فليس من الضرورة أن يكون هناك حلفاء مباشرون لروسيا حتى يحاربوا نيابة عنها، ولكن من الضرورة بمكان - بحسب العقيدة الروسية - أن يكون هناك سلاح روسي يتوفّر في كل مكان تعتبره الولاياتالمتحدة هدفاً سهلاً لمخططاتها. لقد بيّن رئيس الوزراء الروسي «بوتين» هذه الاستراتيجية في معرض ردّه على سؤال صحافي حول طبيعة الصواريخ الرادعة للطائرات والتي قدمتها روسيا قبل حين لسوريا، فقال بوتين: قدمنا هذه الصواريخ لسوريا حتى لا تتجوّل المقاتلات الاسرائيلية فوق قصر الرئيس بشار الأسد !!.. والإشارة هنا واضحة، ولكنها أجْلى وضوحاً وميدانيةً في العراق وافغانستان والصومال، حيث مازال السلاح الروسي يمثل العمود الفقري للمليشيات المسلحة التي تقاتل ببندقية «الكلاشنكوف» العتيدة، وسلاح ال «آر بي جي» المضاد للدروع. هذا ما جرى أثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان، حيث اعتمدت مليشيات حزب الله على السلاح الروسي «ار بي جي / صواريخ غراد/ صواريخ الكاتيوشا ... إلخ» ونجحت في قهر دبابات «الميركافا» الاسرائيلية المسيّجة بدروع من حديد ثقيل.. روسيا القادمة ليست مُشابهة للاتحاد السوفيتي، لأن العقيدة السياسية الروسية الجديدة لا تعتمد على الأيديولوجيا، ومنظومات الدعم للحلفاء دون حد وحدود، بل تعتمد على شكل من أشكال البراغماتية السياسية الرائية لتوازن المصالح، ولهذا السبب تمتنع روسيا عن تقديم صواريخ جديدة لإيران، لكنها لا تُمانع في استكمال بناء تشغيل محطة نووية لإنتاج الكهرباء.. تبيع أسلحة متقدمة لمناطق التقاليد العسكرية ذات المنشأ السوفيتي، لكنها لا تمانع في بيع ذات الأسلحة لمناطق تدخل تقليدياً في إطار التقاليد العسكرية الغربية.. توقع عقداً للتبادل التكنولوجي مع اسرائيل، لكنها تطور علاقاتها الأُفقية مع البلدان العربية على ذات الخط، إن شاء العرب ذلك. [email protected]