قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بأيام ثلاثة فقط أرسل البدر آخر أئمة اليمن رسالة إلى عمه الحسن بن يحيى حميد الدين والمقيم آنذاك في أمريكا، يبدي فيها امتعاضه من تراجع حب الناس لآل بيت حميد الدين وأخذ يُمنِّي عمه بمنصب كبير يصل إلى درجة نائب الإمام، وبالطبع رد العم مهنئاً له بالإمامة ومعزياً بوفاة والده.. لقد أدرك البدر أن الشعب قد سئم حكمهم واهتم كثيراً لمشكلة تراجع حب الناس لهم ولم يكلف نفسه البحث في أسباب هذا التراجع الذي وصل إلى درجة الكراهية، لقد تولى العرش قبل أيام وكان أول خطاب له أنه سيسير على خطى والده، مع أن البعض كان يراهن عليه في التغيير إلى الأفضل غير أنه خيب ظن هؤلاء وانحاز إلى أسرته وترك شعبه. لقد حفر الأئمة قبورهم بأيديهم يوم أن تحالفوا ضد هذا الشعب المعروف بوفائه لمن أحسن إليه، تحالفوا مع الفقر والجهل والمرض.. وقد صوّر أبو الأحرار محمد محمود الزبيري هذا التحالف أحسن تصوير حين قال: جهل وأمراض وظلم فادح ومخافة ومجاعة وإمام ماذا كان ينتظر الإمام الأخير من شعب انحنى ظهره من شدة الجوع لتصل الأفواه إلى الركب لتقبيلها؟ وماذا ينتظر من شعب قبل القطران أن تطلى به جبهته بسبب الجهل.. لقد عاش الشعب اليمني في عهدهم كل صنوف الإرهاب والذل فهو إما مهاجر في بلاد الله وإما رهينة لدى الإمام. كانت اليمن في عهد الإمامة المظلم أكبر سجن في العالم على الإطلاق وحق للزبيري أن يقول عن هذا اليوم العظيم: يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا ثمان وأربعون سنة مرّت على قيام الثورة المباركة وهي عمر جيل كامل ولد وترعرع في ظل هذه الثورة لم تتفتح عيناه على عسكري الإمام وهو يجر والده إلى السجن لأنه لا يملك أن يدفع الزكاة لأنه لم تجتمع لديه مبالغ تصل به إلى النصاب الشرعي. صحيح أننا لم نصل بعد كل هذه السنوات إلى كل ما كان يحلم به الثوار، ولكننا في نفس الوقت لا يجب أن نقلل من منجزات هذه الثورة العظيمة التي ظلت تصد المؤامرات والهجمات عليها منذ الولادة وحتى بلغت الثمان، فالمنجزات التي تحققت وأعظمها وحدة هذا الشعب أرضاً وإنساناً لا يجوز التقليل منها والنظر فقط بعين عوراء بمكبر للجوانب السلبية التي شابت مسيرتها وهي أخطاء لابد من حدوثها ما بقي الإنسان الخطاء على هذه الأرض. لم يكن في شمال اليمن يومها سوى ثلاث مدارس وثلاثة مستشفيات لاتصل بكل تجهيزاتها إلى مستوى عيادة، ولم يكن هناك طرق مواصلات ولا وسائل نقل سوى الحمير والبغال، وإذا وجدت سيارة فإنها إما للإمام أو أولاده وعلى الشعب أن يشقوا لها الطريق سُخرة بأجسامهم العارية وأرجلهم الحافية.. كان العسكري الإمامي من جيش الإمام المظفر أو من البراني يرسل إلى الرعوي فيصل إلى سرير الزوجية ويطالب بالأكل الدسم والقات الفاخر الذي لم تعرفه الأسرة، لدرجة أن أهل القرية يهربون إلى الجبال خوفاً من عسكري واحد. لم يعرف الجيل المعاصر وخاصة الشباب مثل هذا بل إن البعض إذا حدثته سخر منك وظن أنك تروي له فيلماً من أفلام الخيال “الجهلي”. اليوم وها نحن نحتفل بذكرى هذه الثورة العظيمة يجب أن لايغيب عن بال أي يمني أن المحافظة على منجزات هذه الثورة العظيمة واجب ديني ووطني، كيف لا وقد كانت الأم لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة التي حررت الإنسان اليمني من الاستعمار ومهدت مع أمها الطريق للوحدة المباركة التي تعتبر بحق منجز المنجزات وأعظمها. يجب أن تتكاتف جهود الجميع نحو بناء مستقبل أفضل لهذا البلد الطيب الذي ذكر وصفه في القرآن الكريم، قال تعالى “بلدة طيبة ورب غفور”.. إن الالتفات كثيراً إلى الوراء يعيق التحرك إلى الأمام، فعلى جميع الفعاليات السياسية والمنظمات المدنية أن تتجه صوب مصلحة هذا الشعب الوفي لثورته، فكل خطأ يمكن إصلاحه إذا صدقت النوايا، وكل ذنب تجبه التوبة. عاشت ثورتنا مباركة وعاشت وحدتنا العظيمة ورحم الله شهداءنا الأبرار.. وكل عام وأنتم بخير.