صدقوني أنني تعلمت العقدة الجراحية في ألمانيا، مع أنني مارست الجراحة سنتين في دمشق، وما عرفت ولم يعلمني أحد العقدة الصحيحة من الغلط؟ وأما تعلم قيادة السيارة فهي تحتاج لمقالة مستقلة، فهذه هي أبجديات الحداثة، أقولها وأنا متحسر على أوضاعنا ومسافة النهوض أمامنا في كل حقل معرفي. وحين حضرت حفلة تخرج ابنتي من الحقوق في مونتريال في كندا، بكيت على حظي، حين تخرجت من جامعة دمشق التي ودعناها بدون حفلة بسيطة، تجمع خريجي تلك الدفعة فنسلم على بعض، وهي كما نرى تقاليد بسيطة بدأت بتأصيلها بعض الجامعات العربية وهي تدخل العصر والحداثة. وفي أمريكا تستطيع التعرف على كل كلية، ومن تخرج فيها من الصور ولو كانت قبل مائة عام، بما فيها حفلات التخرج الجماعية، كما رأينا ذلك في فيلم (شارع ارلنجتون) عن الإرهاب، وكيف تم الاهتداء للإرهابي من سجلات الجامعة. وفي لقاء لي في الشارقة حول الحداثة الإسلامية، اجتمعت بدماغ جيد من قطر هو الطبيب (جاسم سلطان)، حين تكلم عن فكرة الدورة التاريخية للحضارة، وأننا أصبحنا خارج السياق الحضاري؛ فلطّف الكلمات جدا، مقابل شهادة النعوة، التي أعلنها ابن خلدون عن الحضارة الإسلامية قبل ستة قرون، بقوله وكأن لسان الكون نادى بالخمول فاستجاب، وهو أمر محزن، ولكن الحقائق في العادة موجعة. إن الاعتراف سيد الفضيلة، ونحن يجب أن نعترف حتى نبدأ نتعلم..وحين جاء نابليون إلى مصر كان الشعب المصري على وضعه منذ أيام كافور الأخشيدي، وكانت صدمة بونابرت عند سفح الأهرام تمثل الاستيقاظ المزعج من أحلام السندباد البحري!! وظن فرسان المماليك أنهم بصدد مواجهة حملة قوبلاي خان وجنكيزخان من تلك الأزمان، ولكن حملة نابليون كانت مختلفة تماماً، فقد أحضر معه بجنب العساكر، نخبة ممتازة من العلماء الفرنساوية بمن فيهم المصورون، ولم يكن ليعرف العالم حقيقة هذه الأهرامات الشامخات، لولا كشف اللغة الهيروغليفية، التي أنهضت الأموات من القبور فتكلموا، وحكوا قصصهم ثم رجعوا إلى رقدتهم الأبدية. وكان مفتاح السر تلك الرغبة الحميمة في الكشف، التي قادت ضابط فرنسي، أن يحمل حجراً مهماً عليه وثيقة مكتوبة بثلاث لغات إحداها الهيروغليفية البائدة، ومنها انفتحت أسرار لغة مغيبة، ومعها حضارة كانت من أطول الحضارات عمراً، عاشت ثلاثة آلاف من السنين، حكمتها ثلاثون أسرة، وكانت مثل أمريكا هذا الأيام. لقد تحدث المؤرخ البريطاني (جون آرنولد توينبي) بشكل مختلف عن هذه الظاهرة في الصراع بين القديم والجديد، بالرجوع إلى المجتمع اليهودي القديم، فالمسيح عليه السلام جاء إلى مجتمع جداً متدين، جداً طقوسي، جداً مغلق، جاء المسيح ومعه الرحمة، وليبين لهم بعض الذي يختلفون فيه، فأنكروه وشنوا عليه الحرب، وتدخل القرآن لنفي قصة اعتمدتها الكنيسة من زعم الصلب فقال الرب وما قتلوه وما صلبوه. وأنا شخصياً وقفت طويلاً أتأمل الآية، ولماذا ركز القرآن على نفي هذه الرواية الموجودة بشكل متناثر في الأناجيل الاربعة: متى ويوحنا ولوقا ومرقس؟ وفي قناعتي هي هدم العقيدة التي رتبتها الكنيسة حول هذه القصة، من رفع البشر إلى مقام الألوهية؛ فيديروا الأفلاك ويخلقوا النبات ويقرروا مصائر الخلق، فقال الله: "وأمه صدِّيقة كانا يأكلان الطعام"، أي تحطيم أسطورة ألوهية البشر، وإعادتهم إلى الصفة البشرية بقدرة استقبال الوحي، من الذي عنده السر وأخفى؛ "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا".