يستعد كثير من المسلمين لأداء فريضة الحج ، الركن الخامس من أركان الإسلام، هذه الفريضة المباركة التي تظهر المسلمين على اختلاف مشاربهم أمة واحدة، وكان من بين المنافع التي يشهدها الحاج هو إحياء الشعور بضرورة الوحدة وجمع الشمل بعد أن يمر عام كامل مليء بالشحناء والخصومة والاختلاف. كأن هذه المنفعة، منفعة الحج، تريد أن تذكّر الأمة بأن الاختلاف والبغضاء والافتراق هو أمر من أمور الدنيا التي إن ركن الناس إلى أعراضها الزائلة تاهوا وضلّوا واحتربوا، وفسدت بينهم عشرة الأخوّة والمحبة، كأن الحج بمثابة تذكرة تعيد الجماعات المبعثرة الضالة التي تتوزعها الأهواء والأحقاد إلى كيان واحد مجموع في إطار الرأي الواحد والسعي لإنجاز المصلحة الواحدة التي تقتضيها مصلحة الوطن العليا. كان المفترض أن يلتزم المسلمون باحترام القيادة كاحترامهم الالتزام بواحدية المشاعر ، والتمسك بالتعاليم الواضحة التي تنظم الحركة وإيقاع المكان والزمان في مِنى والمزدلفة وعرفات والبيت الحرام.. يوم أن ظن المسلمون أن الشعائر الإسلامية تخلو من الدلالات والمعاني أصبحوا كغثاء السيل. لقد كان هدف التشريع من شعيرة الإسراع في الأشواط الأولى من الطواف حول الكعبة هو إظهار القوة أمام قريش التي وصمت صحابة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأنهم مرضى «أوهنتهم حمى يثرب» ويكون عليهم الآن وهم ينتظرون البداية الزمنية لأداء المشاعر أن يظهروا أمام أنفسهم بصدق أن هذه الخلافات التي تكاد تعصف ببنيانهم الوطني لا تتفق مع شعيرة الحج ولا مع أية شعيرة أخرى، وأن هذه الثياب البيض التي سيرتدونها أو ارتدوها لابد أن يصاحبها بياض في القلوب، ونقاء في العمل والوجدان، وصفاء في السريرة وصلاح في النوايا. إن من الملاحظ أن روح الشعائر الإسلامية كادت أن تموت، وأصبح السلوك، سلوك كثير من المسلمين يسير وفق سياسة علمانية غير رشيدة، فليس الحج وحده هو الذي كاد يفقد معناه؛ بل الصلاة كذلك وبقية فرائض الإسلام، مما يحوج إلى مراجعات ضرورية. وهذا صادر عن جهل عريض، ودليل هذا الجهل أن يحج بعض المسلمين أكثر من مرة دون مبرر؛ فينفق المبالغ الطائلة، بينما أهله بحاجة ماسة إلى بعضه، بل ربما ذهب هذا الحاج ليستدين.