لم يخطئ إخوان الصفاء عندما دونوا النوتة الموسيقية بتناوب حرفين، وهو أمر يذكرنا بلغة السيبرنتيكا، أو لغة المعالجات الالكترونية للمعطيات والمعلومات من خلال تناوب رقمين حرجين بوصفها المعادل المطلق لتضعيف بقية الأرقام وهما مصدر كل تلك الأرقام قصدت الصفر والواحد، فالصفر رقم التضعيف المطلق للعشرات والمئات والألوف وما يلي ذلك، والواحد معادل مطلق لبقية الأرقام العشرية، لكننا في أفق ما سنجد أن التدوين الحرفي للأسلاف والذي انبنى على تناوب حرفين ليس بعيداً عن الأرقام، فالحروف تستحيل أرقاماً بحسب الجدول الشهير لحساب الجمل( أبجد هوز حطي كلمن سعفص .. الخ ) وهذه إشارة تدلل على علاقة مؤكدة بين التدوينين الحروفي والرقمي مما يؤشر بدوره إلى علاقة تناوب شرطي بين القديم والجديد، وهذا ليس أمراً مستغرباً، فالصينيون لا يدونون النوتة الموسيقية بالأبجدية السباعية الأوروبية (دو ،ري، مي، ف ، صو، لا، سي) بل بالأرقام فيقولون هكذا «واحد واثنين وثلاثة حتى السبعة» في إشارة للسلالم الموسيقية السبعة، وبمناسبة السبعة يعتبر ( إخوان الصفاء وخلان الوفاء) هذا الرقم رقماً كاملاً فيما يعتبرون الرقم خمسة رقماً دائرياً، وعليه يمكن استبطان اللطيفة الغنائية التي نراها في السُلّمين السباعي والخماسي الموسيقيين مما لا يتسع له الحديث. وعلى خط متصل قرن اخوان الصفاء الموسيقى بعلوم الرياضيات ويسمونها علوم المؤلفات النبيلة التي يعتبرونها الجذر الأول لكل علم، وبهذا القدر كان الخوارزمي الفارس الاشهر في درب الخوارزميات المنسوبة إليه رياضياً وهي تعني (اللوغاريتمات) بلغة أهل أوروبا، وتعني أيضاً التباديل والتوافيق بين الأرقام بطريقة تؤدي إلى المطلق الراكز في أساس الصفر والواحدية المقرونة بالواحد، لكن دونما إغلاق لآفاق التعدد المطلقة أيضاً. وحسناً فعل الشيخ محيي الدين ابن عربي حين وصل إلى ذات الوصفات الكيانية بقوله : لقد صار قلبي قابلاً كل صورة. لغة الموسيقى هي لغة الوجود المرئي وما يتجاوزه إلى اللامرئي المطلق، بل إلى الوجود الآخر الذي يتكابر على مرئياتنا ومدركاتنا، ولهذا السبب كانت الموسيقى رديفة التجريد الأقصى والإحالات اللامتناهية للمعنى الواحد، ولذلك لم يكن غريباً ولا طارئاً عندما احتضنت دور العبادة الموسيقى بأشكالها المختلفة فليست الموسيقى ما يأتي عبر آلات العزف فقط كما يتبادر إلى الذهن بل حتى القراءة والانشاد [email protected]