إن المجتمعات والشعوب والدول والحضارات تصاب بالأمراض الفتاكة أو مايطلق عليه بالمرض العضال ,مثلها مثل الإنسان تحتاج للوقاية والعلاج حتى لايكتب لها نهاية مؤلمة ومحزنة. أمراض المجتمعات والدول كثيرة أخبثها - في اعتقادي - انتشار ثقافة المحسوبية واللامبالاة ابتداءً بالأسرة وانتهاءً بمؤسسات الدولة وأجهزتها وإداراتها في غفلة ومباركة الجميع ,الأمر الذي يفقد المجتمع القدرة والمقاومة وإمكانيات التحصين أو استرجاع العافية, ما لم يستيقظ أبناء المجتمع ويتداركوا الحالة والمرحلة والفرصة. المجتمع اليمني - للأسف - مصاب بهذا المرض ,تلك حقيقة يجب علينا مواجهة أنفسنا بها ,مهما كانت تلك الحقيقة مرة ومتعبة وموجعة ,لأن قدرتنا على مواجهة هذه الحقيقة حتى الآن بشكل إيجابي وعدم التهرب من تحمل المسئولية التاريخية والأخلاقية والحضارية التي يتطلبها المجتمع اليمني في هذه المرحلة العصيبة من تاريخه المعاصر تمكننا من تجاوز مرحلة الضعف والخطر ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الشفاء والتغيير. المحسوبية واللامبالاة مرض خبيث لايرحم، اليمنيون يعلمون بخطورة هذا المرض ونتائجه وآثاره في الحاضر والمستقبل ,في وعي وثقافة وسلوك الفرد والمجتمع ,في تخريبه المادي والمعنوي للمؤسسات الوطنية وأجهزة الدولة، مع ذلك يمارسون معه التشخيص الشفوي المرتكز على طواحين الكلام في مجالس القات ليس إلا ,في الوقت الذي تزداد فيه شراسة هذه الآفة الاجتماعية القاتلة ,تنتقل عبر الأجيال، تسعى لتخريب وهدم مؤسسات التكوين وبناء الإنسان، تتغلغل في مدخلات التربية والتعليم والثقافة، تخترق مفردات الحياة، تصيب وتضعف إن لم تقتل نسيج الولاء والانتماء الوطني وقاعدة الواجب المقدس تجاه اليمن الإنسان والتاريخ ,الحضارة والجغرافيا ,اليوم والغد. مؤسساتنا الوطنية تجتاحها أعاصير المحسوبية واللامبالاة، تكاد تفتك بها بشكل غير مسبوق ,حتى تحول الأمر إلى ماراثون وسباق طائش ,الصمت المفجع تجاه هذه الحالة من قبل المؤسسات والأفراد ,المثقفين والعلماء, رجال الفكر وأرباب الكلمة , الدولة والمجتمع ,الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ,قادة الرأي والحكماء ,السلطة والمعارضة , يزيد الحالة تعقيداً وتعاظماً ,يضعف إلى حد كبير المضادات والمعالجات الوطنية والأخلاقية والحضارية والإنسانية ,نتمنى ألا تتحول الحالة هذه إلى الدرجة التي يستعصي علاجها والتخلص منها ,الأمر الذي قد يجعل من بيئتنا الاجتماعية بيئة غير صالحة للإبداع والتميز أو التفوق والمنافسة أو الإنتاج والإضافات العلمية, الإنسانية والحضارية إن لم تصبح طاردة له. المحسوبية واللامبالاة أضعفت الروح المعنوية للإنسان اليمني ,أفقدته الثقة بنفسه وقدراته، وروح وطاقة المنافسة لديه , مع أنه يمتلك من الصلابة والعزيمة والقدرة والمخزون الإنساني والحضاري مايجعله يتصدر كل المجالات ويبدع وينافس ويتميز فيها ,سواء في بيئته الاجتماعية وفوق أرضه أو في أي مجتمع آخر يتواجد فيه. اليمن اليوم بحاجة إلى صحوة اجتماعية، إلى ثورة إبداعية وضمائرية تقتلع آفة وثقافة المحسوبية واللامبالاة من وعي وسلوك الفرد والمجتمع والمؤسسات, إن أردنا تغيير وبناء الإنسان أو رغبنا بجدية في اقتحام ميادين المنافسة علينا تقبل العلاج مهما كانت متاعبه وآلامه ,لأن ذلك سيكون كفيلاً بشفاء المجتمع اليمني من ذلك المرض الفتاك ,ونجاحه في تغيير نمط حياته وقناعاته , (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). فهل لدينا الشجاعة لمواجهة الحقيقة ومعالجة أنفسنا ومجتمعنا وتغيير وعينا تجاه الحياة والمجتمع والوطن قبل فوات الأوان؟. [email protected]