ثمة أسباب تدعونا إلى طرح هذا الموضوع وإثارته عبر تساؤل قد يزعج البعض ويؤلم البعض الآخر حين يولي عقله شطر الإجابة عنه أو البحث عن إجابة صادقة وموضوعية عن الأسباب التي تقف خلف ذلك التعثر.. خمسة عقود من عمر الثورة اليمنية وإخراج المحتل، وعقدان كاملان من عمر الوحدة اليمنية، مشوار نصف قرن من عمر الدولة في اليمن والتحول الاجتماعي لم يبرح بعد بداياته الأولى، حيث كان من المفترض أن نكون قد قطعنا شوطاً ملموساً في التحول المنشود، من ثم ربطه وتفعيله في عمق المشروع النهضوي التحديثي للمجتمع باعتبار ذلك أمراً ضرورياً لإحداث التحول المطلوب في وعي وتفكير وسلوك الإنسان اليمني. لاشك أن هناك العديد من المعيقات التي حالت دون بلوغ هذا الطموح الإنساني مستواه الطبيعي في الحالة اليمنية، فأبرز تلك المعيقات افتقادنا للمشروع الذي يقف خلف ذلك الطموح يجدول الخطوات الزمنية والموضوعية والواقعية للتحول الاجتماعي كترجمة لأهم أهداف ومقاصد الثورة، حتى لا تحدث الانتكاسة ويظهر بعد هذا العمر للثورة اليمنية من يتمرد عليها ويطالب بالعودة إلى الإمامة والحكم الأسري السلالي، أو يظهر من ينادي بالعودة إلى ما قبل الوحدة والحنين إلى أيام التشطير والشتات أو من ينادي إلى النظام الديكتاتوري الشمولي وحكم العسكر. الإمكانات النفسية والنوعية والقيادية كانت مهيأة إلى حد التشيع بالرغبة والحماس لأي تحول وتغيير جذري يراد من الجماهير اليمنية، لكن ذلك الأمر وتلك الرغبة قد أصابها الفتور والخمول وفقدان الثقة بالفاعلين ومن بيدهم مفاتيح وإمكانات ذلك التحول. من تلك الإعاقات التي حالت دون بلوغنا مستوى التحول الاجتماعي الإيجابي انكفاء وتخاذل النخب السياسية والفكرية والثقافية والتربوية والعسكرية ووقوعهم فريسة الصراع القبلي والإقليمي والدولي على السلطة، من بقي على إيمانه بذلك المشروع النهضوي اجتثته دوامة المشاريع الموازية في الساحة لقدرتها وإمكاناتها المادية والمعنوية على فرض الأمر الواقع. العامل الاقتصادي للمواطن والدولة في اليمن لعب هو الآخر دوراً كبيراً في تخليق الإعاقات وزيادة منسوبها يوماً بعد يوم؛ لأن نمو الاقتصاد الوطني وزيادة الموارد وتنوعها يساعد إلى حد كبير في إحداث التحول والتغيير الاجتماعي في وعي الإنسان وسلوكه وتعاطيه مع كل خطوة إصلاحية تقوم بها الدولة. الهجرة الكبيرة للعنصر البشري المؤهل والأيدي العاملة الماهرة والمبدعة شكل حالة من الاستنزاف للكفاءات اليمنية، ليس ذلك فحسب بل افتقاد البيئة الداعمة للإبداع والتميز في الوسط العلمي والمعرفي والثقافي جعل القنوط والتشاؤم والسطحية تتسرب إلى مؤسساتنا ومدارسنا ومراكز الأبحاث العلمية في بلادنا، الأمر الذي حال دون بلوغنا مرحلة التحول الذاتي والتغيير الاجتماعي، علقنا في عنق المرحلة وساومنا على الاجترار والغياب الفعلي عن الحراك الحضاري والعلمي والمعرفي وقعودنا عن التحول المطلوب اجتماعياً وإنسانياً وعصرياً. إذا كانت هناك من أسباب أخرى قد حالت دون قدرة الإنسان اليمني على إحداث التحول والتغيير فمردها إليه، إيمانه بقدرته الذاتية وسلبيته في التعاطي مع الأحداث فهو إما أن يكتفي بالصمت أو بالفاعلية الموجهة من قبل هذا أو ذاك، أو التحول إلى النقد الهادم السلبي اليائس في المقايل والتجمعات العامة والمقرات الحزبية. لو أن ذلك النقد الدائم قد كان إيجابياً وبناءً ومتفائلاً قد تحول عند النخب السياسية والحزبية والثقافية والقضائية والإعلامية والاجتماعية قد تحول إلى برامج عمل وتفنيد للأخطاء والتجاوزات والمفاسد والتدهور الحاصل في أداء المؤسسات الحكومية وتحملت الأحزاب والهيئات مسئولياتها لكان الأمر غير ذلك ونجحنا في إحداث التحول الاجتماعي والتغيير الجذري في الواقع المعيش، وشاركنا في تخليق الحلول السريعة والناجعة للمشاكل والفساد والتسيب واللامبالاة والرشوة واستغلال الوظيفة العامة وضعف التربية وانحراف مؤسسات التعليم عن أهدافها ومقاصدها الوطنية والإنسانية. ذلك الفساد واللامبالاة والعبث والتحايل واستغلال مرافق ومؤسسات الدولة قد تحول مع مرور الزمن وتجاهل الجميع وتعاظم الأنانية والذاتية بشكل مفرط.. كل ذلك قد تحول إلى إعاقات أمام التحول والتطوير الاجتماعي في المجتمع اليمني. التحول الاجتماعي هو صمام الأمان الأول للثورة والوحدة والديمقراطية، كونه الداعم الأكبر في نمو الولاء الوطني ودفع الأجيال اليمنية لحماية المنجزات العظيمة التي ناضل اليمنيون في سبيل تحقيقها. اهتمامنا بالتربية والتعليم والثقافة والإعلام والتدريب والتعليم المهني وإصلاح الاختلالات العميقة في مؤسسات الدولة بالعمل الجاد وقوة القانون وتمكين الكفاءات لأهل الولاءات وأصحاب المجامر والمتخصصين في صناعة البخور والمحسوبيات سيدفع بالجميع إلى التفكير الجاد بالحالة التي وصلنا إليها، من ثم الجلوس للحوار ودراسة الحالة والمعالجات الضرورية لها قبل فوات الأوان. يبقى السؤال الحي لماذا تعثر التحول والتغيير الاجتماعي في مجتمعنا اليمني حتى الآن؟ كل منا لديه الإجابة أو بعضها، فقط أن تكون بالفعل والتغيير الذاتي.. وقد أخبرنا المولى عز وجل بقوله: «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».