العلاقات اليمنية المغربية تُعد من العلاقات الأخوية النموذجية التي تحكمها روابط الأخوّة والمصالح المشتركة، والعمق التاريخي والبعد الحضاري للبلدين والشعبين الشقيقين.. ومازالت المساحة التي فُعَّلت في علاقة البلدين قليلة جداً، نظراً لما هو متاح وضروري في مجالات كثيرة وفراغات حساسة ومهمة. المملكة المغربية تتمتع بقدرات ذاتية متعددة، وقد أثبتت خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة أنها تمتلك المؤهلات الذاتية والنوعية لبناء الدولة الحديثة، وقادرة في الوقت نفسه على التغير والتجدد مع العصر ومتطلباته المتسارعة، وإرساء قواعد وأسس النظام والقانون والاستفادة الكبيرة من خبرات المجتمعات والشعوب والثقافات والحضارات الأخرى، وليس هنالك من عُقد اجتماعية أو ثقافية تحول دون احترام الآخر وقبوله والحوار معه، بما معناه أن المغاربة مؤهلون لقيادة العقل العربي والسياسة العربية والحوار العربي الأوروبي، والوصول بالسفينة الحضارية للأمة العربية إلى المرافىء الآمنة. إذا أردت أن تقرأ تاريخ التعايش الإنساني، الحضاري، الثقافي والديني، فالمغرب والمغاربة كتاب مفتوح، وصفحات مضيئة ومحفورة تجدها في وعي وتفكير وثقافة الإنسان المغربي، يأسرك بوعيه الحضاري والإنساني، وتميز طباعه وأصالته، وعشقه اللا محدود للوطن، والطبيعة والجمال، واحترامه للنظام والقانون، وقدسية الانتماء الوطني والقومي والإسلامي لديه. كانت أيام الرباط الأولى بالنسبة لي فاتحة اللقاء الرائع بأحبتنا المغاربة؛ لا تحتاج لكي تندمج معهم إلاَّ للمحبة الصادقة واحترام الآخر، فلقد أحدثت تغييراً جذرياً في حياتي وطريقة تفكيري، أسست المنطلقات الذاتية التي كنت أفتقدها، لكي أعيد ترتيب المفاهيم، القيم، الأفكار والقناعة، وكم نحن بحاجة إلى تهذيب الكثير من الأبعاد المتوزعة بين الحضاري والإنساني، الوطني والإبداعي، النظري والواقعي، الفردي والاجتماعي، الثقافة والحياة، الحق والواجب، الأنا والآخر، الدولة والهوية والمواطنة الكاملة والآمنة. ثمة إصرار عنيد وإرادة قوية تتملكان المغاربة ملكاً وشعباً لصناعة النجاح والتفوق المعرفي والحضاري، والتنمية المتكاملة والتميز النوعي، والتموضع الإيجابي في عصر لا يعترف بالضعفاء، والعمل على مواجهة الظروف ومعالجتها لكي تخدم حاجة وضرورات ومتطلبات الإنسان المغربي. اخوتنا في المملكة المغربية يقدسون العمل، وينافسون بقوة وكفاءة عالية، وقدرة ذاتية عجيبة، لا يعرفون المستحيل، على الرغم من الإمكانات الوطنية المحدودة التي تتوزع بين السياحة والأسماك والزراعة والفوسفات، إلاَّ أنهم استطاعوا أن يتجاوزوا الكثير من المعوقات وىؤسسون نهضة اجتماعية، وتطوراً وتقدماً متكاملاً ومتنوعاً، وبناء الإنسان القادر على الإبداع وتحمل المسئولية، باعتباره حجر الزاوية في أي تنمية أو تغيير مطلوب. نجح المغرب في بناء دولة المؤسسات وتحصينها بالنظام والقانون، مثلما نجحت الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وتبلورها وترسخها كخيار وطني لا رجعة فيه، إنه مجتمع يمارس النجاح ويتعاطى مع الحياة المعاصرة خطوة خطوة. إن المجالات التي تتطلب تعاون البلدين كثيرة، وهي دعوة لحكومتي القطرين في تدشين أوجه التعاون والتكامل اليمني المغربي، فلدى اخوتنا في المغرب الكثير من الخبرات والكفاءات والتجارب والإصلاحات والمؤسسات والأنظمة التي ستساعدنا في إصلاح وتغيير الكثير من النظم والتدبيرات الاجتماعية والمؤسسية لأنها أثبتت نجاحها، وساعدت إلى حد كبير ومعقول في خلق النظام الاجتماعي والتعاطي المؤسسي مع الفرد والمجتمع، واعتماد البحث العلمي المنظم كأساس في البناء والتنمية والتغيير، وبناء العلاقات مع الآخر، والتعاطي مع حاجات وظروف وعثرات الداخل بموضوعية ومسئولية كبيرة.