من نافلة القول أن نتحدث عن أهمية وقدسية ذكرى ال 30 من نوفمبر والتي سجلت جلاء آخر جندي بريطاني عن عدن في 1967 م. ومن فرض القول أن ندعو أجيال الثورة والوحدة والشباب والطلاب إلى قراءة واستحضار حدث الاستقلال وسياقاته ومسيرة الثورة والنضال الوطني الذي خاضه الثوار والمناضلون الأوائل من أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ،تلك المسيرة الحافلة بالتضحيات وبقوافل الشهداء الذين استشهدوا في ساحات النضال لأجل أهداف نبيلة وواضحة كشمس النهار لا يشوبها شك ولا ريبة،أهداف تتعلق بالمصلحة العليا للشعب اليمني وللأمة ،وهو ما بذل من أجله المناضلون أنفسهم ودماءهم وأموالهم بسخاء وإصرار. وإن خلوَ مشروعهم الوطني من شوائب الذاتية والمناطقية والقروية هو الذي منح نضالهم الوطني استراتيجيته. بينما ظل أذناب وأذيال الاستعمار والاستبداد يحتمون بمشاريعهم الصغيرة والذاتية ويحاولون بيأس الحفاظ على مصالحهم الذاتية على حساب المشروع الوطني واندحروا واندحرت معهم الرغبات والمصالح الصغيرة. وظفر الشعب اليمني باستقلاله واتجه لتحقيق أهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14أكتوبر ومنها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وبناء الدولة اليمنية الحديثة والتنمية الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنهوض بالبناء الديمقراطي المجسد للشراكة الشعبية في التنمية وتعزيز العدالة الاجتماعية ورد الاعتبار لحقوق المواطنة المتساوية دون تمييز أو احتكار فئوي أو سلالي أو اقتصادي أو ثقافي أو مناطقي. وبعد أربعة عقود من الاستقلال تراكمت جملة من المتغيرات في المنطقة وفي العالم الثالث أفضت بعد مرحلة الاستعمار الاقتصادي إلى عودة الاستعمار العسكري المباشر.وباتت البلدان الثائرة والمستقلة أمام الحصار الاستعماري وفشل بعض الأنظمة في إدارة الاستقلال في مرمى الاستعمار من جديد. وأصبح أولئك المنظرين الجدد الذين أنكروا وجود نظرية المؤامرة أمام حقائق صادمة دامغة أفرزتها الرغبة الاستعمارية العسكرية المباشرة متمثلة في احتلال العراق تحت مبرر السلاح النووي واحتلال أفغانستان تحت مبرر الإرهاب ، والاستعمار اللوجستي تحت مبرر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. وكشر الاستعمار القديم عن أنيابه من جديد حين غلبه الحنين إلى ماضيه وانحسرت موجة التحرر الوطني وتفككت المنظومة الاشتراكية التي ظلت تشكل مانعاً أخلاقياً وفكرياً للسلوك الاستعماري من ممارسة هواياته القديمة في السيطرة على مقدرات الشعوب واستغلال ثرواتها وسلب حقوقها وقمع إراداتها الوطنية وخياراتها ومصائرها. وبعد نماذج الاحتلالات الجديدة ما تزال بعض النخبة العربية المسوغة للهجمة الاستعمارية الجديدة تتهكم على من يتبنون نظرية المؤامرة وتسخر منها بالرغم من كون واقع الهجمة يضيف كل يوم دلائل جديدة على الأرض وليس على مستوى النظريات. وسواء كان استدعاء الاستعمار الجديد يستند إلى أخطاء وخطايا داخلية تتعلق بطريقة إدارة الشعوب المستقلة لشؤونها أو بسبب التحرش الخارجي أو بسبب جملة من التعللات الاستعمارية باسم التطرف حفاظاً على الأمن الغربي ،أو بسبب الأزمة والفراغ الثقافي والإيديولوجي الذي يعيشه العالم، فإن الحنين الاستعماري لحقبة ما قبل التحرر لم تعد رغبة خافية على كل ذي بصيرة. وهذا تحد جديد يتقدم على كل التحديات المحلية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، ذلك أنه لا يستهدف ما أنجزه الاستقلال فقط بل يستهدف ما لم ينجزه من أحلام وطموحات لم تمكنه قدراته الذاتية الضعيفة على التنظيم وعلى توظيف الموارد الوطنية لأجلها. ذات مساء في جلسة حديث شخصي مع أحد المناضلين من السفراء السابقين ونحن نستعرض التكالب الخارجي على اليمن ومؤشرات الحنين الاستعماري حدثني عن صدفة جمعته قبل احتلال العراق بأحد الدبلوماسيين البريطانيين في دولة صديقة ليكتشف من خلال حديث معه بأنه كان مسؤولاً عن أحد سجون الاستعمار في عدن الذي اعتقل فيه صاحبنا ليقول له الأخير “ربما كنت أنت سجاني بتهمة مناهضة الاستعمار البريطاني آنذاك”. وما كان من الدبلوماسي البريطاني إلا أن استشاط غضباً وضرب الطاولة بقوة وهو في حالة ثمل قائلاً بالإنجليزية: We, ll be back. لكن الاستقلال لن يكون دائماً مهدداً من الخارج طالما تقاعسنا عن مسؤوليتنا الوطنية في حمايته وفي تحقيق شروطه. علينا تقديم نموذج للتعاطي المسؤول مع الذات ومع الآخر ومن خلال سلوكنا الراشد والتضامني حفاظاً على ما أورثنا إياه المناضلون الشرفاء من استقلال ناجز، علينا ألا نعبث به بتصرفاتنا الأنانية والطائشة، ذلك أن الاستقلال منجز يملكه الشعب ليس لأحد حق التفريط فيه أو الخروج به عن المصلحة العليا للشعب والوطن. وكل عام والشعب اليمني حر ومستقل. [email protected]