أخطر ما يحدث في الوقت الراهن ومن قبل هو غياب المنطق السليم والعقل المتزن في التعاطي مع قضايا ذات أهمية بالغة، لكننا نلاحظ حدوث قدر كبير من التمرد على الأصول وعلى القيم المعمول بها في إدارة القضايا والخلافات التي قد تحدث والتي حدثت بالفعل .. الأمور في الساحة يكتنفها الكثير من اللغط ومن الغموض أحياناً ونرى أن البعض يُغفل عنها العقل ويتعاطى وفقاً للعصبيات وللتعصبات العمياء ويفسرها وفقاً للأهواء والمصالح ولاعتبارات تمثّل تمرداً على كل المبادىء وحتى أصول العمل السياسي النظيف الأوضاع تستدعي تغيير انماط التفكير السائدة والتعامل بشكل أكثر رقياً واحتراماً لعقول الناس في البلد، إذ أن الكثير من أهل السياسة والأحزاب لا يحترمون عقول الناس ولا يراعون مصالح العامة وهم بذلك يعقّدون الأمور أكثر ويدفعون بها نحو الضيق والاختناق.. ندرك جميعاً أن ثمة أزمات يعاني منها البلد نظراً لأوضاع عالمية وسياسات دولية تحاول إعادة تشكيل الخارطة الدولية سياسياً واقتصادياً وجغرافياً ومذهبياً وعلى مستوى علاقات المجتمع بالمجتمع والفرد بالفرد، لكن تبقى الأزمة الكبرى متمثلة بتصرفات الناس والأحزاب والمنظمات في البلد الواحد الواقع تحت طائلة الهدف العالمي.. يرى المتابع لأحوال البلد أن الأزمة الكبرى تتمثل في العلاقات السياسية بين الأحزاب وتحديداً بين السلطة وبعض أحزاب المعارضة ، علاقات سياسية سيئة وتسوء كل يوم بفعل العناد من ناحية وبسبب التمرد على منطق العقل السليم وهو ما يزيد الأمور تعقيداً ويغلق أبواب الانفراج المأمول. ليس هناك من داعٍ للبحث عن حلول خارج الالتزام بأسس الحل وهو العقل الذي يتعاطى مع القضايا بما يناسبها من مواقف انطلاقاً من الحرص على مصلحة البلد العليا وهو حرص على مصلحة الناس على امتداد الساحة، ولن يكون مخطئاً من يضع مصلحة البلد والعباد في مقدمة الاعتبارات قبل اتخاذ أي موقف .. لن يخسر من يقيس الأمور وفق معادلة مصلحة العامة التي تضم في طياتها مصلحة الشخص ذاته ولن يندم أبداً من يتخلى عن عناده ومكابرته لصالح الحلول ومن أجل فتح باب للوفاق، وفي المقابل لايجب أن تكون الأحكام مستعجلة في مواجهة أي عمل قبل أن تتضح حيثياته وملابساته .. لباس الطهر الذي يتعاطى على أساسه الكثير من الناس والأحزاب عند الحديث عن أنفسهم وأحزابهم، ليس حقيقياً ولا ينبغي أن ننفي كل الصفات والقيم عن الآخر قبل وضوح الصورة .. نحن أمام مشكلة حقيقية عنوانها (كل حزب بما لديهم فرحون) هذا الامر وضعنا ووضع البلد أمام اختبار حقيقي ولعل العقلاء في الأحزاب وفي غيرها يدركون عواقب الفرح السيء الذي يتمسك به البعض إيماناً منهم بأنهم أصحاب الحق المطلق، وهؤلاء أنفسهم يدركون أو يُفترض بهم أن يكونوا مدركين أن الحقيقة ليست كذلك وان الوطن ومصلحته أعلى وأكبر وأغلى وأهم من مصالح الأفراد ومن الأسماء التي ينزهونها عن الزلل والخلل قبل أن تتأكد العملية ويجري التأكد من الحقائق وهو أمر بالغ الخطورة والأهمية وأخطر ما في الأمر هو الإصرار على الطُهر وإن كان الموصوف لا يستحق صفة الطهر والنقاء طالما كانت تصرفاته لا تدل على ذلك. ختاماً لهذا الكلام أقول: إن البلد يستحق أن نضحي من أجله بالحسابات الشخصية والمواقف الحزبية والآراء غير المدروسة التي تتصاعد كل يوم إعمالاً لغير العقل واحتكاماً لمواقف شخصية وسياسية لا تفرق بين الخير والشر، ولا تضع لملايين الناس حساباً يمنع عنهم المعاناة الأكثر جراء الحسابات الخاطئة والسياسات العمياء من قبل بعض أطراف العملية السياسية.