لا تزال الرؤية السياسية للمعارضة حيال ما يجري في الساحة اليمنية أسيرة العتمة أحياناً والانغلاق أحياناً أخرى فما أن تقدم على خطوة قد تساعدها في الخروج من مأزقها المزمن إلا وتعود أدراجها خائبة الرجاء لا تلوي على شيء سوى المساومة على قضايا هي في المحصلة النهائية مطالب شخصية ومشاريع أنانية, لا تمت إلى المصلحة العليا للوطن بأية صلة.. اتضح ذلك في الشعار الذي تداولته المعارضة مؤخراً بعيداً عن أية كياسة سياسية مفادها المشاركة في السلطة والثروة، وإذا ما أمعنا النظر في هذا الشعار نجد أن المعارضة وأقطابها لا يعنيهم مستقبل هذا الوطن, الذي كابد الويلات عبر تاريخه الطويل, وكل همّهم المشاركة في السلطة والثروة, أما الشعب فليشرب من ماء البحر, كم تمنيت أن يسمو خطاب اللقاء المشترك إلى مستوى المرحلة الراهنة ومعطياتها, فكم كانوا أحوج إلى التكتم على هذا الشعار الذي كشف عوراتهم للملأ. المواطن اليمني لم يعد بحاجة إلى وصاية أو تبصير من أحد, فقد امتلك من القدرات الدينية والدنيوية ما يؤهله للتفريق بين الغثِّ والسمين, وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بمستقبل البلد.. إن الشعب لا يجافي المعارضة كما قد يتبادر إلى الذهن, بل على العكس من ذلك فهو يتطلع إلى وجود أحزاب سياسية معارضة لديها أدوات تغييرية مضمونة وفق مشروع وطني شامل نابع من رؤية علمية منهجية, غير أن مانراه ونسمعه دوماً يدلل على إفلاس فكري ووطني بلغ مداه وأدى إلى إصابة المشترك بمسٍّ شيطاني ما لبث يصاحبه في مسيرته السياسية, إضافة إلى غيابه السافر عن الشارع اليمني ورؤاه وتصوراته, فلم يتمكنوا حتى الآن من التغلغل في النسيج الاجتماعي الوطني, وكأنهم لا ينتمون إلى لغة وعقيدة هذا الشعب, ويكتفون للتواصل مع الرأي العام بإحداث بلبلة وجلبة عبر وسائل إعلامهم العتيقة, التي تجنح إلى الإثارة الفارغة, وتشيح ناظريها إن كان لها نظر- عن توخي الدقة في أغلب ماتطرحه وتتناوله من أخبار وتحليلات وتحقيقات وغيرها. لقد تباكت هذه الأحزاب ولاتزال على الأوضاع المعيشية السيئة, وهذا حقهم دستورياً وقانونياً غير أن مايفرضه واقع الحال سؤال غاية في الأهمية: متى احتكمت هذه الكيانات السياسية أو راهنت على الشعب وخياراته وفي أي موقف من المواقف..؟ الإجابة هي ولا مرة واحدة حتى وإن ادعوا ذلك “شفوياً” وكل مايفعلونه إذا تقاطعت مصالحهم مع توجهات السلطة, هو الارتماء في أحضان السفارات الشقيقة والصديقة لحشد الدعم اللازم والإبقاء على هامش حضورهم الهزيل على الساحة الوطنية, ولو كانت المعارضة على خلاف مانقول, فماذا يعني موقفهم الرافض لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة المزمع إقامتها في أواخر أبريل 2011م وهذا أمر يقودنا إلى تناقض عجيب، فالتقليد المتبع في معظم الدول الديمقراطية, واعتدنا على سماعه في أكثر من مناسبة هو دعوة المعارضة النظم الحاكمة في بلدانها لإقامة انتخابات مبكرة, لكن قيادات المعارضة في بلادنا السعيدة كسرت هذه القاعدة, وهاهم يتمادون في رفع أصواتهم مطالبين بتأجيل هذه الانتخابات، ومن لا يعلم عن تركيبتنا السياسية شيئاً قد يظن أن العازفين على نغمة التأجيل الانتخابي ليسوا من المعارضة, بل جزء من السلطة أو يدورون في فلكها. أليست هذه أشياء تدعو إلى الأسف والمرارة...؟! قد يظن أولئك الذين يحسبون أن كل صيحة عليهم, أن زخرف الحياة هو الذي حفزني للانضمام إلى الكتيبة الإعلامية المفترضة للمشاركة في نقد سياسات اللقاء المشترك بأيدلوجياته المتشعبة والمتناقضة والمتناحرة.. لا.. أبداً فكل ما هنالك أني مواطن متطلع إلى مستقبل زاهر كغيري مبني على أسس متينة وواضحة وشفافة.. لذلك يهمني أن توجد معارضة قوية معززة بمدٍّ شعبي جارف, بعيداً عن لغة الاستقواء بالخارج الممجوجة, التي جلبت ردود فعل عكسية, وألبّت الرأي العام عليها.. إذا أراد قساوسة اللقاء المشترك إحداث المعجزة وإعادة اندماجهم في المجتمع عضوياً وروحياً عليهم العكوف على مراجعة سياساتهم ومواقفهم المتقلبة, التي زرعت لهم الويلات والخصومة في نفوس الناس, وبالتالي توسل السبل الحضارية لإزالتها, فالملاحظ أن أقطاب المشترك يمعنون في قطع المزيد من أواصر الثقة, التي من المفترض أنها تربطهم بالجماهير ومن باب إزاحة الستار عن بعض “الحماقات” التي يرتكبونها مثل تورطهم في دعم الخارجين عن القانون من انفصاليين ومتمردين ومخرّبين, وقد التقطت الذاكرة الجمعية العديد من هذه الخروقات الخطيرة, وآخر تقليعات ساسة المشترك ماتردد مؤخراً عن مبلغ مالي قدره عشرة ملايين ريال تسلّمه محمد غالب أحمد، القيادي في اللقاء المشترك عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني بهدف تمويل عمليات تخريبية الغرض منها إفشال خليجي 20 الذي استضافته عدن وأبين في الآونة الأخيرة, ولقي نجاحاً منقطع النظير.. وأخيراً أجدها فرصة مناسبة لإسداء النصيحة لإخواننا في المشترك, وأقول لهم: إذا استعذبتم الخنوع وبقيتم على حالتكم الراهنة التي لا تسر عدواً ولا صديقاً متمترسين خلف خنادقكم المكشوفة, فإنكم غير مؤهلين البتة لحمل مشروع وطني تغييري وخلافة النظام القائم, الذي أثبت غير مرة أنه أحسن حالاً وأداءً ومصداقية من معارضتكم “الرشيدة” التي أزكمت الأنوف!!