- تحية خاصة مني ومن جميع أفراد أسرتي أزعم جازماً أنني وأمثالي من نفس جيلي كثيرون من أصحاب الهواجس السياسية المؤرقة والفضول العلمي والمعرفي ، وبالتالي من أولئك الذين لا يستطيعون إعفاء أدمغتهم من القلق والانشغال بما يدور في مسرح الحياة اليومية وبشكل أضنى في محاولة فهم ما يجري في كواليس السياسة المحلية والعالمية ، وإن هذا قد جعلني شخصياً من المهتمين كثيراً بعالم الصحافة المتابعين لمجمل ما تعرضه الأكشاك من الإصدارات الصحفية والسياسية منها على وجه الخصوص. وأعترف أنني واحد من أولئك الذين يمضون أوقاتاً طويلة أمام شاشة التلفاز ويتقلبون كثيراً مع قنوات الأخبار العربية والعالمية .. إلا أنني أزعم أن هذا الإعلام المرئي بكل طغيانه وبريقه الأخاذ لم ينجح في إقناعي أو دفعي للتخلي عن اهتمامي القديم المتجدد بعالم المعرفة الورقية ودنيا الإعلام الصحفي ، وهو اهتمام متأصّل ألحق هزيمة نكراء أيضا بشبكة الإنترنت العنكبوتية رغم محركاتها السريعة وكثرة مواقعها الصحفية والإعلامية المتنوعة الأذكى والأمهر في طرق الإغراء والصيد. هكذا أنا وربما أمثالي كثيرون صار لأناملنا مع أوراق الكتب والصحف والمجلات علاقة ود خاصة ولعيوننا مع الحروف الحبرية غزل مميز ، بل إن أسماعنا قد اعتادت يوميا إلى درجة الألفة على أصوات الحركشة والكرمشة والحفيف الجميل الذي تصدره لها الأوراق أثناء تصفحها ، بل ربما أننا جيل القراء المخضرمين قد ارتبطنا بالصحافة الورقية إلى درجة أننا صرنا نستمتع من حيث ندري ولا ندري بالعبق المميز الذي يصدر تلقائيا من أوراق وأحبار الصحائف أثناء قراءتنا لها ، لهذا لم أزل منذ زمن طويل من المترددين كثيراً على المكتبات وأكشاك الصحف والمجلات .. ولا فخر. هذا التعلق بالصحف واتخاذها نافذة رئيسية للتواصل مع عالمي قد تحول مع مرور السنوات ومع التكاثر المحموم للمطبوعات الصحفية إلى مصدر ضيق وألم بسبب التوالد الخداجي المتزايد لعشرات الصحف اليومية والأسبوعية السياسية وغير السياسية والحكومية وشبه الحكومية والحزبية والتجارية.. إلخ إلخ إلخ ، وتزاحمها الشديد لدى بساطات العرض إلى درجة الفوضى مع أشكال وألوان غريبة وبراقة من المجلات والكتيبات والنشرات والصور والملصقات الدعائية المتعددة الأشكال والأغراض ، حتى لتبدو لناظر مثلي لفيفاً من الصور النشاز والبخططات والألوان المتناكرة أو هذا ما ينعكس لديّ كلما وقفت أمام أحد تلك الأكشاك. هذه المغالبة الوجدانية المستمرة ولّدت في القلب تساؤلاً على هيئة أمل ورجاء: أوّاه .. متى ستتزين هذه الأكشاك بصحيفة أحلامي؟؟. نعم .. لطالما تمنيت طوال تلك السنين أن تكون لي صحيفة مفضلة .. صحيفة واحدة أحصل عليها بسهولة ، وأجد فيها يوميا ما تقرُّ به عيني من جمال الشكل وحسن الإخراج والتنسيق الفني, وأحظى منها بما يرتاح إليه خاطري من الرصانة والموضوعية والتوازن والتنوع والتكامل المضموني .. صحيفة لا تصدني بكثرة صفحاتها ولا تثقل عليّ بمطولات مقالاتها ، ولا تزعجني بافتقارها لما يلزم من لمسات الجمال وفنيات العمل الصحفي ، ولا تعكر مزاجي بمعاركها المفتعلة ورعونتها السياسية ، صحيفة معتدلة القوام منمنمة الحواشي متعددة المواهب ، تغطي أكبر مساحة ممكنة من اهتماماتي وفضولي المعرفي باعتباري مواطنا مهتما بمعرفة أهم أخبار الدولة وأبرز الأحداث الساخنة في اليمن وفي المنطقة العربية والعالم ، وباعتباري تربويا شغوفا بأخبار التربية والتعليم وشئونها ومعنيا بفهم ما يدور حولها في أذهان الصحفيين والمثقفين والجمهور ، وباعتباري مهتما بشئون السياسة والفكر والثقافة والأدب وعلوم الإدارة ، وباعتباري متشاركا مع زوجتي وأولادي وبناتي في الاهتمام بمعرفة ومتابعة ما يدور في أرجاء الوطن من أحداث اجتماعية كبيرة وحوادث مثيرة ، وباعتبارنا مهتمين ومعنيين بقضايا الرعاية التربوية والصحية وشئون التغذية وبمفاهيم الإدارة الذاتية وطرائق التنمية الفكرية الحديثة ، إضافة إلى شغف أغلبنا بمتابعة أهم أخبار الرياضة المحلية والعالمية ، وأخيراً وليس آخراً باعتباري مع بعض أولادي شغوفين بالكلمات المتقاطعة ولعبة السودوكو وغيرهما من الرياضات الذهنية .. صحيفة تقدم لي كل هذا بشكل انتقائي ذكي ومشوّق وفي ثوب جميل أنيق. هذا كله منحته لي صحيفة “الجمهورية” الغراء المتألقة منذ شدتني إليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، وخصوصا منذ أصبحت أحد المشتركين الممنوحين شرف وصولها اليومي إلى عتباتي طوال العام المنصرم ، حيث صارت لي مؤنسة عزيزة ، وصارت لزوجتي وأولادي وبناتي صديقة غالية ، نعم لقد أصبحت “الجمهورية” الغراء بالنسبة إلينا بمثابة نافذة كبيرة نطل منها يوميا على الكثير من شجوننا ، كل من في بيتنا سعيد ب”الجمهورية” المتألقة باستثناء أجهزة التلفزيون الثلاثة التي خسرت جزءا ملحوظا من ولائنا السابق. بعض ملامح علاقتنا الحميمية مع “الجمهورية” في وقت محدد ومضبوط من كل صباح باكر يصل إلى بابنا موزع “الجمهورية” فيضعها برفق وبدون ضجيج في مكانها المخصص .. كم أنا متعاطف مع هذا الشاب الجاد في عمله .. هو أحد شباب الجحملية .. وهو منضبط .. لم يتخلّف عن ذلك منذ الشهر الأول لاشتراكي بهذه الصحيفة .. لعله قد حسم أمره معي على أن لا يتخلف ، لأنه حين فعل ذلك مرة أو مرتين قديماً سارعت بالشكوى إلى مسئوليه ، وحينما عاتبني شرحت له ماذا تعني لنا إطلالة هذه الصحيفة كل صباح .. هو شاب طيب مجتهد يأتي على دراجة نارية اختار خلال شهر رمضان أن يصل إلى منزلنا من أعالي الحارة لأن ذلك كما أوضح يتيح له “سواقة الموتور وهو طافئ” إشفاقاً علينا وعلى أهل الحارة من إزعاج صوت الموتور .. لك منا أيها الموزّع جزيل الشكر وفائق الاحترام. وأول ما تفعله ربة بيتنا في كل صباح بعد إعداد الشاي أو البن هو التقاط “الجمهورية” والجلوس على أريكة الحجرة لتتصفحها من وإلى .. تقرأ كل ما يهمها من المواضيع .. ويكون الولد “جوهر” قبل توجهه إلى المدرسة قد سارع إلى سحب “الجمهورية2” يستعرض ويقرأ أخبار الرياضة والفنون وهو يتناول فطوره ، ويسارع إلى إطلاع إخوانه على أبرز الأخبار. وحين أصحو فإن أول ما أسمعه من أم أيمن هو التعليق على ما ورد في “الجمهورية” من أخبار مهمة ومواضيع مثيرة وفي مقدمة ذلك ما تبدعه ريشة رسام الكاريكاتير الفنان رشاد السامعي ، وكذا ريشة الفنان عارف البدوي .. تستفزنا أكثر المشاهد الذكية جداً التي تلتقطها ريشة السامعي للكتير مما يدور في حياة اليمنيين اليومية من أنماط سلوكية وإشكالات اجتماعية .. رسوم بسيطة جداً لكنها مفعمة بحرارة المشهد وصارخة بمضمون الرسالة حتى أننا نتلجلج كثيراً ونحن نحاول التعليق عليها .. في مقابل لمسات الحرفية ورصانة الرسالة التي تنطق بها رسومات صديقي عارف الذي ألتقي به من حين إلى آخر وأعبر له عن إعجابي برسوماته .. شكراً لأخي عارف .. وشكراً لك أيها السامعي العزيز فإنك ترسم البسمة في وجوهنا كل صباح ممزوجة بشيء من التذوق الممتع للطافة الريشة والتفاعل الوجداني مع مدلولات الرسائل الذكية المبثوثة في طيات رسوماتك. ومع انتظار الغداء يأتي دور البنات في تصفح “الجمهورية” وتبادل التعليقات على ما أثارهن من الأخبار والمواضيع ولا سيما شئون المرأة وأخبار المدارس عموماً ومدارس البنات على وجه التحديد والأخبار الاجتماعية اللافتة والغريبة ، وكثيراً ما يحتدم فيما بينهن جدل جاد ينزل على مسامعي برداً وسلاماً .. شكراً ل”جمهوريتنا” الغالية لتحريكها الإيجابي لأفكارنا ومشاعرنا. أما أنا (المخزناتي اليومي) فوقت المقيل وبالذات في ساعة ما قبل الغروب هو الموعد الثابت للقائي الرومانسي مع جمهوريتي الحبيبة. حينما أرفع “الجمهورية” بين يدي يعرف رفاق مقيلي أنني دخلت في ساعة سليمانية فلا يطمعون مني بأي مزيد من تجاذب الأحاديث معهم حتى أضع الصحيفة جانباً. لا تأخذ مني الصفحة الأولى سوى نظرة عابرة للمانشتات الرئيسة والعناوين الكبيرة ، وقراءة سريعة إذا كان هناك خبر رئاسي مميز أو قرار جمهوري أو خبر عام مهم أنتقل بعدها على عجل إلى الصفحة الأخيرة أو بالأصح الواجهة الأخرى الرئيسة للصحيفة. أبدأ بإلقاء نظرة فاحصة لكاريكاتير السامعي ، ثم أرتفع بأقصى درجة من التحفز الذهني لأقرأ ببطء ما يكتبه الدكتور العالم الفيلسوف عمر بن عبد العزيز صاحب الأطروحات الفكرية والفلسفية العميقة التي أستمتع بمحاولة فهم مدلولاتها وفك رموزها ، شكراً يا دكتور عمر .. ولا تحزن إذا قيل لك: إن زبائنك ليسوا بالكثرة المنشودة ، فاللوم عليك .. من الذي قال لك أن تتخصص في بيع اللؤلؤ والياقوت والعقيق اليماني!؟. ثم ألتفت يميناً إلى لطائف أخي وصديقي الدكتور محمد النهاري (ظلال)، وكثيراً ما أقول في نفسي: ليته اليوم في هذا الموقع الاستراتيجي من الصحيفة يطرق قضية كذا(أي قضية تكون ساخنة وتشغل بالي) ، ومن لطائف التوفيق أنني وجدته في مرات عديدة يلامس أمنياتي في ذات العدد وأحيانا بعد صدور التمني بيوم أو عدة أيام .. شكراً لك يا رفيق الهم والقضية .. قلم رشيق وأطروحات مهمة تصاغ بشكل رصين وهادئ وهما من صفات صديقي الرائعة. أو ألتفت باحثا عن (نقطة وفاصلة) عن السهام الصائبة الثاقبة الصادقة التي يوجهها الأخ العزيز عبد الله الصعفاني .. نقاط واضحة صريحة وجريئة وفواصل معلنة مع مظاهر السوء والفساد والسلبية .. نعم يا أخي .. أنا معك أن التعامل مع تردي أوضاعنا قد يكون بأمس الحاجة إلى الكثير من الوطنيين الثقاة أصحاب الدم الحار أمثالك وأمثال الدكتور عادل الشجاع ، والدكتور الذيفاني والأخ صادق ناشر وغيرهم من كتَّاب هذه البارجة .. شكراً لك أيها الصعفاني العزيز. ثم ألتفت إلى (أضواء الجمهورية) متعددة الوجوه لأعرف متحدث اليوم وعنوان العمود ، أسماء محترمة وقضايا جادة ومنقوشات جميلة على هذا العمود المنار. ولا يخلو قلب هذه الصفحة وحواشيها من خبرية ملفتة أو معلومة مهمة .. أنتقل منها وفي القلب شجن إلى جوف الفراء .. ترى ماذا أعدت لي “جمهوريتي” اليوم من لوامع الدهشة ؟؟ ماذا ستنقل لي من معالم الجمال الخلاب الذي تزخر به أرجاء الوطن .. ما أكثر ما قد أهدتني من لوحات رائعة لكل ما هو شهير ومعلوم من المعالم الأثرية والسياحية في بلادي ، لكن “الجمهورية” تفاجئني دائما بلوحات للمزيد والمزيد من المناطق والمعالم التاريخية البديعة الجمال بعضها ما كنت لأعرفها ولا أتملى شيئاً من روعتها لولا عدسة “الجمهورية” الساحرة .. هذا أنا المحظوظ الذي أتاحت لي وظيفتي ومسئولياتي أن أزور الكثير من مناطق السعيدة فكيف بغيري من قراء “الجمهورية” رجالا ونساء وشبابا ممن ليس لهم فرصة ليتعرفوا ويندهشوا بمثل تلك الروائع إلا من خلال هذه المشاهد اليوسفية المقدمة في أطر صحفية راقية وبعناوين !!! عناوين ؟؟؟ .. أواه كم أحسد ذلك الفنان الذي ينحتها من قلب اللغة العربية. لا تزال الشجون كثيرة .. أريد أن أشارك القراء بالمزيد من أسرار علاقتي مع صحيفتي المتألقة .. لعل ذلك يكون في الغد إن شاء الله.