عندما كانت ركائب المسافرين تقف على مداخل بني طيّئ يقولون : ابشروا ابشروا.. أنتم في ضيافة حاتم، وكان حاتم طيئ لاتمر ساعات من نهاره إلا ويتطلع لضيف ليتغدّى معه، فكل مسافر أو عابر سبيل لا يمكن أن يمر على مطارح بني طيئ إلا ويستقبله دار ضيافة حاتم الطائي، فقد ذاع صيته بين القبائل والعشائر العربية بأن حاتماً أكرم العرب طُراً، منزله دار ضيافة يستقبل كل يوم من الغرباء والمسافرين والزائرين.. ولحاتم طيئ أطرف الحكايات المروية عن كرمه، ويروى أنه ذبح فرسه عندما لم يجد ما يطعم ضيفانه. ولكن اليوم ماذا عن أحفاد حاتم, يحاول البعض التطبع بكرم حاتم، ولكن في الأخير ظاهرة دعائية فقط, فمنهم من يتظاهر بالجود والكرم ولكن لأغراض نفعية ومصالح ذاتية، وكم من المعوزين والغرباء لا يجدون من كرمهم المفتعل شيئاً، وإذا أطعموا الطعام في حفلاتهم لا يطعمون إلا الشابعين من ذوي الجاه والثراء. ولعل البعض قد طالع أخبار أحفاد حاتم طيئ، ففي ظاهرة سابقة تم الإعلان عن إحدى الشركات العربية أنها تقوم بتعليب لحوم الخيول، وبيعها في الأسواق باعتبارها عجولاً وأبقاراً وثيراناً. ومن المعروف في فرنسا أن وجبة لحوم الخيول المعلبة تقتصر على أهل النخبة من القادرين على ابتياعها واستهلاكها بسبب ارتفاع ثمنها.. أما في دول شرق آسيا فإن لحوم الخيول هي في ندرة الكافيار الإيراني وكانت إحدى التهم الموجهة إلى “ايميلدا مارلوس” زوجة ديكتاتور الفلبين السابق هي أنها كانت تلتهم مع زوجها حصاناً كاملاً كل أسبوع. نعود لكرم حاتم طيئ والمتظاهرين بالجود والكرم من أحفاد أحفاده ودعونا نسوق لكم إحدى الحكايات. يقال : “إن يشكرياً من بني يشكر تزوج بطائية وفي يومٍ بعد الزفاف رأى جماعة من عابري السبيل، من بعيد، وهو على دراية أن منزله بعيد عن طريق العابرين, فهناك من يدعوهم للطعام لكنه تمطّى وتظاهر بالكرم الحاتمي أمام زوجته وقال لها : “اليوم قد نستقبل ضيوفاً فلنذبح لهم العجل. فقالت أهلاً وسهلاً فتابع سيرهم وقد تجاوزوا القريتين واتجهوا صوب حي بني يشكر وهنا صاح لزوجته أن يكون ذبح الكبش الكبير كافياً لهم بدلاً من العجل. فوافقت ولكنهم خلّفوا وراءهم أكثر من قرية, وهناك أوجس في نفسه خيفة البخل وتراجع إلى ذبح الديك فقالت زوجته الطائية: يارجل هم قوم عديدون فلا يكفي الديك، وقال: نزيد المرق مع الخبز فوافقت على مضض. وبعد تجاوزهم كل قرى الأحياء خاف اليشكري أكثر وقال لزوجته: يكفي أن نقدم لهم أقراص الخبز مع القهوة.. ولكن تعب الأسفار أوقف القوم وأحلّهم عند داره وهنا نادى بصوت خفيض لزوجته أن تقول لهم: “ لا يوجد أحد من الرجال هنا” !! وخرجت حزينة لتلحق بأهلها وعلى باب الدار وضعت هذه العبارة الرامزة “أدودا”. ولما جاء ابن عمها لزيارتها لاحظ العبارة وهو على قدرٍ من الذكاء قال مكملاً: أدودا لمن أكلت أنامله الدود كيف يجودُ وإن جاد في الدهر يوماً عمره لا يجودُ. ومن شدة بخل ذلك اليشكري قالت الحاتمية فيه هذا البيت: إذا يشكريٌ مس ثوبك ثوبه فلا تذكرنّ الله حتى تطهرا