الساعة كانت ضحى.. واليوم.. يوم العيد.. لا يزال شعور الفرح يسكن هذه اللحظات، لا يظل التفاؤل اللا إرادي للعيد يبث خيوط ضوئه للقلوب، ربما ليس كما كان منذ أعياد قديمة.. لكن يظل عيداً.. كانت تسبح بنظراتها نحو تجمع أطفال الجيران وبعض أطفال القرية إذ يلعبون.. ضجتهم تصل لأذنيها وهي تجلس على سطح منزل الأسرة. شيءٌ ما في نظراتها ليس عادياً. نظرات تكشفُ الكثير مما يتزاحم في أعماقها. بسواد عينيها يتسربل حلمٌ أضناها، حلمٌ حاولت لأجل أن تتناساه.. وتتجاهله الكثير.. حاولت أن تقنع نفسها أنه قدرها.. نصيبها لكنها لم تنجح.. لم تسطع، إن مرأى أي طفل يذكرها به، بحلمها.. الحلم الذي يعذبها. أحقاً مرت سبع سنوات وهي لم تنجب بعد؟! أحقا أنها لا تنجب؟ شيء وإحساس ما في أعماقها يرفض هذا.. يرفض فكرة أنها عاقر. إحساس لا تتبين كنهه، أهو لها السلوى والعزاء من الله؟! هل صبر زوجها وصموده في وجه أمه.. رافضاً الزواج بأخرى تجيء له بالولد.. أهو تعويض آخر من الله عن حرمانها من الإنجاب.. ثم.. أهي لن تنجب حقاً؟! بوتقة أسئلة تدور فيها.. وتدور.. إلى أن تمل، أمواج تأخذها وتعود بها. وقبل أن تسحبها من جديد أمواج فكرها كان صوت طرق عال على باب الدار الحديدي، وخفت نازلة تتطلع من الطارق، وترى عمتها أم زوجها تسبقها وتفتح الباب. كان الطارق هو الابن الأكبر لشقيق زوجها.. كان الفتى قد عاد بلحمة العيد من مذبح القرية، حيث يذبح أهل القرية ذبيحتهم المشتركة كل عيد كعادتهم. تأخذ الجدة «اللحمة» من حفيدها.. وهي تسأله: ماذا ذبح أهل القرية اليوم؟! ويرد الفتى، وهو يتحرك عائداً نحو الباب بعجل ليلحق نصيبه من اللعب.. يرد بقوله ذبحوا بهمة عبده صالح!! ويمضي لتلتفت الجدة إليها، وإلى زوجة ابنها الأخرى التي أتت على صوت الطرقات تقول عمتها وهي تمد يدها باللحمة لها.. خذي.. ويا الله «فيسع أنت وهي جهزين الغداء!» تأخذها من يدها برفق وتدور على عقبيها.. تمضي إلى المطبخ.. وقبل أن تغادر الحجرة تماماً سمعت عمتها تقول وبصوت تتعمد رفعه.. قلك ذبحوا بهمة عبده صالح، بعدما جلست لهُم أربع سنين معقور. وفهمت هي مغزى العبارة ولماذا رفعت صوتها.. ولم تملك إلا أن تطأطئ رأسها، وراحت تمشي كأنها تسحب قدميها خلفها، وشعرت كأن سكيناً باردة تذبح قلبها. وجاهدت لتدلف إلى المطبخ تغالب ودموعها تخنقها، وعندما ضمتها جدرانه وحدها واختفت داخله.. أجهشت غيومها المثقلة بالبكاء..