بمناسبة الحديث عن (صنع في اليمن) الذي دار في مؤتمر عقد في صنعاء قبل أيام؛ يطيب لي أن أتحدث بالحرف المكتوب عن الصناعات التقليدية اليمنية المتعددة والقديمة التي كانت تغطي حاجة الناس في الطبخ وتعبئة السبول والحَب وشد الغرار المصنوعة من جلد البقر (بالنسع) المصنوعة أيضاً من جلود الأبقار والأحذية والحصير والحنابل من أصواف الحيوانات. وكانت الفضّيات يصنعها يمنيون مسلمون ويهود, وكان اليهود يعتقدون أنها ستندثر بعد ترحيلهم قسراً بأمر الإمام أحمد في الخمسينيات إلى فلسطين, ولكن أسواقها ومحال صياغتها بقيت عامرة بالنشاط في صناعتها وعرضها للبيع في صنعاء وغيرها وحتى في القرى على ما أذكر .. وأذكر أيضاً يهوداً في قريتنا بإسمائهم وبينهم طفل كنت في مثل عمره دارت بيني وبينه معركة أسفرت عن شج رأسي بحجر أطلقها عليّ وأنا أتبادل معه التهديد من نافذة الطابق الثاني من بيتنا في يوم السبت الذي يصوم فيه اليهود عن الكلام والطعام. أما المدابغ فلم تقِل عدداً وانتشاراً عن غيرها من صناعة الحرف رغم الجهد الكبير الذي تتطلبه الدباغة وبمواد محلية كأوراق شجر القرص والملح وأشياء أخرى نسيتها مع مرور الزمن واندثرت تقريباً بل لقد أغلقت بضعة مصانع للأحذية في البلاد لأنها أنشئت قبل أن يضمن أصحابها سلامة الجلود من التمزق على أيدي الجزارين في الأسواق الأسبوعية واليومية وفي عيدي الأضحى والفطر والمناسبات الخاصة كالأعراس والعزاء. وبعد فشل صناعة الأحذية والحقائب من جلود الأبقار والماعز والأغنام في السبعينيات والثمانينيات تحدثت الجهات المعنية عن تشجيع كل من يحافظون على الجلود من التقطيع مادياً وجمعها بواسطة المستفيدين وإحصائها ليتم تصديرها إلى إيطاليا المشهورة بصناعة الأحذية الراقية منذ أمد طويل إلا أن التصدير انخفض بسبب تمسك الناس بعادة رمي الجلود في صناديق القمامة أو خارج القرى فتنبعث منها الروائح الكريهة وتحدث معارك بين الكلاب والضباع للاستحواذ عليها. كما كانت الحديدة مركزاً مشهوراً لصناعة وتلوين المنسوجات والمفارش والأغطية إلى جانب صناعة الحصير والزنابيل والأطباق التي تقدم فوقها الأطعمة وهي من سعف النخيل, والكوافي الخيزران البديعة والدقيقة والصحية أيضاً ,وفي القرى كانت ولازالت (الظلة) المصنوعة من سيقان الحشائش الرفيعة (والتورة أو الطبق) المزخرف الجميل الشكل وبمختلف الأحجام. ولديّ في الأخير سؤال إلى من عقدوا أو شاركوا في ندوة (صنع في اليمن): هل تطرقتم إلى هذه المصنوعات والحرف اليدوية واتخذتم قرارات أو توصيات لإعادة الحياة إليها وما اندثر منها إذا كانت بعضها لازالت موجودة وتحفها المخاطر من المستورَد مثلما هو حاصل الآن وعلى نطاق واسع يتحمل مسئوليته الانفلات في المسئولية والتسابق على التهريب وحمايته وإهمال الأفراد والأسر الذين هم بالفعل فخر لنا سواء من مات منهم أو من بقي على قيد الحياة.