ثمة أهمية كبيرة تقف خلف دعوة الأخ رئيس الجمهورية للتصالح والتسامح وعقد ندوة علمية توثيقية للأحداث والحقائق والمعلومات التي اختزلتها مراحل ومحطات وصراعات دامية في تاريخ اليمن المعاصر، سواء تلك التي كانت في شتاء 1986م أو صيف 1994. الأجيال اليمنية بحاجة ماسة للتاريخ الوطني، حتى وإن تعددت ألوانه وميادينه، إيجابياته وسلبياته، مراحل الحكم الشمولي أو الإمامي أو الاستعماري أو الوحدوي الديمقراطي، لأن معرفتهم للتاريخ واستيعابهم للمراحل والدروس سيضمن حبهم وولاءهم المطلق للوطن الأرض والإنسان. الشعب اليمني متسامح بطبعه، سرعان ما يتناسى المتاعب والجراح والمواقف والمنعطفات والمراحل الصعبة، يغفر الإساءة بسهولة ويُسر، قيمة التسامح متضخمة لديه، قد يفتقد أحياناً لمنهجية التصالح مع الذات والآخر مثلما قد تعلق في ذاكرته تلك الصور واللحظات الدامية، لكنها سرعان ماتتحول إلى ذكريات أو تاريخ منسي، بدليل أنه سرعان مايتعايش مع من ظلمه أو أخطأ في حقه، لاتجد الأحقاد في حياته مكاناً أو متسعاً. التسامح قيمة أخلاقية إنسانية ودينية عظيمة، دعا إليها الأنبياء والمرسلون والفلاسفة والعلماء والمصلحون على مر التاريخ الإنساني، إنها عنصر الحياة، سر تجددها ونقائها وتنميتها، مثلما هي حاجة كل مجتمع ينشد الأمن والاستقرار والتطور والنهوض والتماسك والتألق والتميز والإبداع . يصبح التسامح نضجاً وطاقة للتعايش وقيمة حيوية وأخلاقية للعلاقات والسياسة والتربية والثقافة والتعددية الفكرية والتنوع الاجتماعي إذا شيدناه على قاعدة ومنهجية التصالح مع الذات والآخر، بدون شروط مسبقة، أما إذا بقي شعاراً مفرغاً من مضمونه فإنه يتحول إلى جدال عقيم ومعارك كلامية طائشة، وسلوكيات ضيقة الأهداف والوسائل والدور والجغرافيا والأحلام . إن منهجية التصالح والتسامح الاجتماعي لابد وأن تقوم على رؤية واضحة للولاء والبراء الوطني، خطوات عملية للتغيير الجذري للقناعات والظروف والأحكام، التطهر الكلي والفعلي من الكراهية والعنصرية والقروية والأحقاد، التصالح مع الذات والآخر، إشاعة قيم التسامح والألفة والتعاون والتكامل، حتى تتحول إلى عقيدة بناء وحقيقة التزام ومسؤولية. إننا بحاجة دائمة إلى إرساء منهج واقعي ومرن للتصالح، يستوعب عثراتنا وأخطاءنا ونقاط ضعفنا وانكساراتنا، قادر على تغطية مساحات مشاكساتنا وصراعاتنا التي لاتنتهي، في الوقت نفسه يكون بوابتنا إلى الغفران والتسامح الناضج، لايدفع بالمجتمع إلى التشظي وركلات الترجيح التي لاتترك خياراً بديلاً ولاطريقاً سهلاً ومثالياً للعودة . جامعة عدن ستحتضن هذه الندوة المهمة في حراكنا الاجتماعي والديمقراطي، كل ما أتمناه على اللجنة المنظمة لها أن تكون عند مستوى المسؤولية الوطنية، تستوعب الآخرين والاّ تضيق من الرأي المخالف، لأنه عنصر مهم في المعادلة وصورة حقيقية للنضج وفرصة ثمينة لتأصيل وترسيخ منهجية يمنية للتصالح والتسامح مع الحاضر تحل المعادلة القائمة بدون باق، تنقل مخرجات الندوة إلى المحك العملي والتطبيق الواقعي . الأستاذ القدير عبدالفتاح جمال قارئ بنكهة العشق تابعت باهتمام وعمق شجون وترانيم أستاذنا الفاضل الشاعر والأديب والتربوي عبدالفتاح جمال الذي عرفته منذ كنت طالباً وهو مدير عام للتربية بتعز وأمين عام للمجلس المحلي ، عشقنا شعره الحزين المتمرد مثلما عشق هو صحيفة الجمهورية، فله ولها كل الحب والتقدير. [email protected]