التحذير صدر قبل ثلاثة أيام، ليس من وزارة الدفاع الأمريكية بشن حرب على العرب بكل الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، بل من حروب عربية - عربية قطرية وداخلية على المياه، وأعتقد أن كلمة حرب عربية - عربية المقصود بها مصر والسودان بدولتيه، وسوريا ولبنانوالأردن وإسرائيل على مجموعة الأنهار والجداول الصغيرة التي تصب في أراضيها، انطلاقاً من لبنان، أو تلتقي قرب الحدود الأردنية مع هذه الدول، مكونة نهر الأردن الذي حوّلت إسرائيل مجراه في الستينيات من القرن الماضي إليها. أما الحروب الداخلية على المياه فقد يتبادر إلى ذهن البعض أن أمريكا وإسرائيل ستحدثان مشاكل على المياه بين المحافظات والقبائل، والنموذج اليمني جاهز لضرب المثل على هذه البلاد التي لم تستطع أية جهة منع الحروب التي نشبت ومازالت على المياه من أجل القات بالدرجة الأولى، وتخلت عن العادات القديمة والقوانين التقليدية لتقاسم المياه، ولم يحدث أن انتهكها أحد أو أنكر حق الآخر فيها إلا بعد انتشار زراعة القات وزيادة عدد السكان. فقد كنا نعرف أن الماء الذي ينبع من أسفل قرية هو من حق القرى التي أمامه، وأن للقرية تلك فقط الشرب لها ولحيواناتها، وبعد ظهور القات بقوة في بعض المناطق اتجهت الأنظار إلى المياه الجوفية فحفرت الآبار واحتدم الصراع بين الجيران في الأرض حول أحقية الحفر بالقرب من البئر الأولى بمسافة عدة أمتار فقط، وكانت القوة النارية والنفوذ والمال سيدة الموقف في التهاون وعدم ردع المعتدي في أقسام الشرطة والنيابات والمحاكم، ووصل الأمر ببعض الشركاء أو الجيران في الأراضي إلى الاعتداء على النساء لمنعهن من اغتراف ونقل المياه فوق رؤوسهن بغرض الشرب للإنسان والحيوان. ووصلت القضايا إلى المحاكم، وهناك أخذت من الوقت ما يستنزف المال ولا يستطيع مواصلة الشريعة إلا الأقوياء أو تنشب على خلفيتها المدنية أعمال عنف من الدرجة الأولى ، كالقتل ومن الدرجة الثانية كالشروع فيه والإصابات، وسوء الظن بتلك الجهات الخارجية يذهب بصاحبه إلى الاعتقاد بأنها وعن طريق بعض العملاء ومع وجود فراغ قضائي وجنائي تكبر المشاكل ثم تكبر بين الناس على المياه تحت إلحاح وإغراء وسحر القات، وإن كان أي تدخل خارجي مستحيل بل مضحك. ونحن رغم أنه لا توجد لنا أنهار وينابيع تكفينا ويصب الفائض في دول مجاورة، ولا تصلنا المياه أيضاً من خارج الحدود نخشى من توسع المشاكل وقيام حروب أخطر وأكثر مما حصل في الثلاثة العقود الماضية بين القرى والأسر والقبائل، وأن تبقى الأجهزة المعنية كالأمن والنيابات والقضاء مكتوفة الأيدي وفاقدة التأثير على السيئين في تلك الجهات الذين أسهموا في تشويه سمعة القضاء والنيابات والأمن إلى اليوم.