عانى الشعب اليمني في العقود الماضية الكثير من المآسي والآلام في ظل الحكم الإمامي الكهنوتي, الذي كان جاثماً على الجزء الشمالي والغربي, والحكم السلاطيني والاستعمار البريطاني في الجزء الجنوبي والشرقي من الوطن, وقد ناضل لسنوات طويلة للتحرر والخلاص من حكم الإمامة والسلاطين والاستعمار الأجنبي, وقدم قوافل من الشهداء في سبيل ذلك ابتداءً بثورة 1948م, ثم الانقلاب الذي تم في عام 1955م, والذي قام به الجنود في تعز بقيادة المقدم أحمد الثلايا ضد الإمام أحمد, وإن لم يُكتب له النجاح, فكان مصير قادته والمشاركون فيه نفس المصير, الذي لقيه قادة ثورة 48م. وفي يوم 26 سبتمبر عام 1962م تحقق الخلاص بإعلان الثورة والنظام الجمهوري, والقضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي, ولكن الحفاظ على الثورة وتثبيت النظام الجمهوري, تطلب خوض معارك مسلحة بين القوات الجمهورية وجحافل الملكيين, امتدت لحوالي ثماني سنوات, راح ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى. ولم يتوقف الأمر على القتال بين الجمهوريين والملكيين, والذي وصل ذروته في نهاية العام 1967م عندما تم حصار العاصمة صنعاء, من قبل القوات الملكية وتمكنت القوات الجمهورية من الصمود في وجه الحصار في ملحمة تاريخية عرفت ب “ ملحمة السبعين يوماً “، بل إن الخلافات التي حدثت بين القيادات الجمهورية أدت إلى انشقاقات ومواجهات مسلحة, خلّفت الكثير من المآسي والآلام, فكانت الانقلابات والمؤامرات والتصفيات الجسدية, هي السمة, التي تميزت بها الفترة من سبتمبر 1962م وحتى يوليو 1978م في شمال الوطن. أما في جنوب الوطن فقد اندلعت ثورة 14 أكتوبر عام 1963م وخاض الثوار حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني وركائزه من السلاطين طوال أربع سنوات, وفي الوقت الذي كان الكفاح المسلح على أشده ضد قوات الاحتلال البريطاني, تفجر الخلاف بين مقاتلي الجبهة القومية وجبهة التحرير, والذي أدى إلى مواجهات مسلحة بين الطرفين, وما إن تحقق الاستقلال في ال 30 من نوفمبر 1967م حتى تفجر الصراع بين ما يسمى باليسار واليمين داخل السلطة، وكانت أحداث 13 يناير 1986م من أبشع المجازر الدموية, التي شهدها الوطن اليمني قبل إعادة وحدته, حيث راح ضحيتها معظم كوادر الدولة من مدنيين وعسكريين واقتصاديين وحقوقيين ومثقفين وأكاديميين والآلاف من المواطنين الأبرياء.. ولم تتوقف أعمال التخريب ودوامة الصراعات والتناحرات والانقلابات الدموية, إلا بانتهاج فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لمبدأ الحوار مع كافة الأطراف.. فكان الحوار هو الوسيلة الناجعة والأسلوب الحضاري, الذي أوصل شعبنا إلى استعادة وحدته يوم ال 22 من مايو 1990م. إن يوم إعادة وحدة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً في ال 22 من مايو 1990م هو يوم ميلاد اليمن الجديد, وقد تثبتت هذه الوحدة وترسخت في 1994م حيث تصدى شعبنا اليمني لتلك المؤامرة الخيانية, واستطاع أن يحقق النصر, ويثبت الوحدة بفضل تلك التضحيات الجسيمة, التي قدمها أبناء القوات المسلحة البواسل بمساندة قوات الأمن وجماهير الشعب اليمني من الوطنيين الوحدويين. اليوم وبعد مرور العديد من السنوات على تلك الأحداث, هناك من يريدون العودة بشعبنا اليمني إلى عهد الانقلابات والمؤامرات الدموية ودوامة الخلافات والصراعات والمآسي والآلام. ألا يكفي ما عاناه الوطن والشعب طوال عقود مضت؟ أليس من حقنا وحق أبنائنا أن نعيش في أمن وأمان, ونتطلع إلى مستقبل أفضل؟.. لماذا لا يراهنون على التغيير عبر صندوق الاقتراع, بدلاً من الرهان على الانقلابات والمؤامرات والدسائس, وإثارة المشكلات والخلافات والأحقاد والضغائن والنعرات الطائفية والمذهبية والقروية والانفصالية؟!. [email protected]