استطاع نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إقناع الغرب السياسي من خلال تسويق نظرية الحرب ضد الإسلاميين الراديكاليين، لكن تلك الحرب لم تكن موجهة ضد تيار الإسلام السياسي فحسب ، بل كانت ضد الجميع، حيث قاد الرئيس زين العابدين بن علي البلاد من خلال القبضة الحديدية التي فسحت المجال للتسويات الأمنية ، والترويع بالاعتقالات المجانية ، وترهيب كل من تسوّل له نفسه بأن ينبس ببنت شفة، وصولاً إلى استلاب الخصوصية العربية الاسلامية كما سمعت من حكماء تونس ورجالاتها . اكتشف العالم فجأة مدى الفداحات السائدة في تونس، وكيف أن مئات آلاف الشباب المتعلم يتسكع في الشوارع، وكيف أن البطرياركية السياسية تكشف عن وجه الظالم الذي يجيز قتل المتظاهرين بالرصاص الحي وبدم بارد . فتحت أحداث تونس سؤالاً مركزياً في الزمن السياسي العربي الذي يتواشج في هذا المستوى من المركزيات الفجة، فتداعت الأحوال لنسمع عن إصلاحات ترقيعية هنا وهناك، فالرئيس الليبي معمر القذافي يكتشف فجأة أهمية التضامن مع فقراء تونس ويفتح الحدود للتوانسة !!، وفي ذات الوقت يقرر إلغاء الضرائب الجمركية على المواد الغذائية في إشارة ذات مغزى، وفي الأردن يتم إعادة النظر في أسعار مواد أساسية للاستهلاك . الانتفاضة الشعبية العفوية التونسية قدمت مسحاً جيوسياسياً للمنطقة العربية برمتها، لتكشف لنا مدى الانكشاف المعنوي والأخلاقي لعالم لا تنقصه الإمكانيات، بل الآليات الحديثة لإدارة الدولة العصرية .. عالم تنقصه الشفافية والمشاركة، ويستغرق نفسه في متواليات لإنتاج المتاهات، والتهميشات، والاقصاءات . أمام النظام العربي الرسمي اليوم أسئلة ملحة، واستحقاقات أكثر إلحاحاً ، فلم يعد في الوقت متسع، ولقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبى ، فإما الإصلاح، وإما التغيير الذي سيأتي من الشارع . [email protected]