نظرات ابن خلدون تجاه قوانين التاريخ ومآلات الدول بحاجة إلى مزيد من المتابعة الموازية مما نلاحظه مع ما حدث ويحدث في بلدان العرب الحائرة، والشاهد أن أحداث تونس أومأت ضمناً إلى ذلك المنطق المُتجهم الإرادوي للنظام المندثر، كيف أن نظام زين العابدين بن علي مازج قسراً بين شكليات العصر ومنطق الحاكمية المقرونة بالمُلك، واستباحة المال العام. بل كرس نمطاً بطرياركياً حد الاستدعاء الغرائبي للتقاليد الفولكلورية التاريخية، وأذكر شخصياً انني فوجئت قبل أكثر من عقد من الزمان وأنا في رومانيا استمع إلى الإذاعات العربية المتاحة عبر الموجة القصيرة ، فاستمعت إلى النشرة الصباحية الاذاعية من تونس، وكانت المفاجأة أن أول خبر تفصيلي كان عن صباحية الرئيس، واصفاً توقيت صحوه من النوم، ومزاولته الرياضة، ونوع إفطاره، وكان الخبر يبدو بمثابة إشعار بأن ولي الأمر في صحة جيدة، وأنه النموذج الفاضل للمواطن الصالح !. لم أكن لأصدق ما سمعت لولا أنني سمعته بأذني وأنا في كامل صفائي العقلي. هذه الفادحة المسيّجة بالمُخاتلة تكشف مدى إقامة النظام العربي في نموذج الحاكمية البطرياركية المتأبّية على الحقيقة الموضوعية، مما يظهر درجة انكشاف هذا النظام على التحولات العاصفة، جراء التدمير المُنظّم للطبقة الوسطى، والتخلي عن واجبات الدولة المركزية في رعاية وحماية مواطنيها، وتبرير مالا يمكن تبريره، وصولاً إلى عسكرة الحياة، وصرف المليارات لحماية النظام من مواطنيه، وتسييج لصوص المال، وناهبي الأراضي بمصدّات وأسوار تحميهم من القانون والنظام. ما حدث في تونس أسقط ورقة التوت من عورة النظام العربي الرافض للتغيير والإصلاح، ووضع النخب السياسية أمام مسؤوليتها بعد أن تجاوزتها الجماهير لتقول كلمتها المسطورة على الأرض، ولتؤذن بفراغ سياسي يصعب ردمه إذا تداعت الأمور باتجاه الفتنة لا سمح الله. [email protected]