من أكبر عوائق تطور المجتمع الإسلامي، كأنها الأغلال إلى الأعناق، فهي إلى الأذقان فهم مقمحون .. (الغل هو الطوق في عنق البركيل والحمار، فلا ينظر إلا في اتجاه واحد وهو تعبير قرآني مدهش). وبذلك يصبح التدين رجعية بحق، وهو الذي كنا نسمعه من غير المتدينين فكنا نتعجب، حتى آمنت فعلاً أنها صدقاً وعدلاً، حين رأيت بعض التطبيقات. والمصيبة هي أن القول بهذه المفاهيم تأخذ قوتها من مصدر المطلق الله، ويعني مواجهة هذه المفاهيم الكفر إن نطق، والنفاق إن سكت، فاختر يا صاحبي أن تكون في أي طبقة من نار السعير!. ومن هذه التطبيقات مناسبة (عيد الحب فالانتين) فهو بدعة، ويضاف له الكثير مثل تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، والاحتفال بعيد العمال العالمي في واحد مايو، والاحتفال بيوم الميلاد والأم والزواج الفضي والذهبي .. إلخ. ومن الغريب أن هناك مفهومين متقابلين في النظرية الإسلامية؛ (البدعة) و(السنة) فكما نصّ الحديث على أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فقد جاء الحديث الذي يقول: «إن من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وأن من سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»!. فكيف نفرّق إذن بين البدعة والسنة الحسنة، أو لنقل لندمج مفهوم السنة السيئة مع البدعة، فهذا أرحب؟!. كنت أسمع تشبيهاً من مروان فأعجبني؛ قال رحمه الله: الإسلام بناء مكتمل مثل بلاط الأرض، فلو أردت أن تضيف بلاطة جديدة ما صلحت، ولو كانت في نظرك جميلة، بكل بساطة لأنه ليس لها مكان، إلا أن تقتلع بلاطة أرضية وتضيف من عندك هذه البلاطة، وهو عمل غير لازم في غير مكانه. التمثيل بسيط ذكره حديث يقول إن الإسلام كان البلاطة الأخيرة التي أكملت عمل الأنبياء (الحديث: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل بيت ... إلخ). وفي القرآن «اليوم أكملت لكم دينكم» ولكن كيف نفهم التطبيقات اليومية التي ذكرناها مثل الاحتفال بعيد الحب والأم والشجرة والوطني؟. والجواب بسيط، فالوضوء للصلاة خمسة أعضاء الوجه واليدان والرأس والقدمان، وهو ليس الغسل لكل الجسم، وركعتا الضحى اثنتان، والصيام من الفجر حتى الليل، والحج إلى الكعبة وليس القدس وقم، والزواج من أخت الزوجة لا يصح إلا بعد موت الزوجة، وهكذا.. أما تعلم اللغات الأجنبية والاطلاع على عقائد الكفار كذا، واستخدام الانترنت والموبايل، وقيادة المرأة للسيارة والطيارة، وسفر المرأة دون محرم من الرياض حتى تورنتو، والاحتفال بعيد "فالانتين" وعيد العمال العالمي، فهو يشبه ما نبّه له نبي الرحمة عن يوم عاشوراء، حين سأل من حوله: ماذا يفعل اليهود؟! قالوا له: إنهم يحتفلون بيوم انتصار موسى بخروجهم من الغل الفرعوني ونجاتهم من الغرق، قال: نحن أولى به منهم، وطالب من حوله بالصيام في يوم عاشوراء، والناس لا تنتبه لهذه المعاني ولا تفرّق بين البصل وعاشوراء!. أليس هذا الرجل عاقلاً وذكياً بما فيه الكفاية؛ فيوظف كل الحسنات والإيجابيات لمذهبه؟!. فهذا هو المفرق بين الصالحات والنكبات. كل عيد ومكرمة إنسانية لم ينص فيها الشرع نسبق الناس فيها إلى المكرمات، ونتسامح مع من حولنا باسم الرحمن الرحيم؛ فنسلّم عليهم ونعطيهم الأمان، أما المحتوى العقائدي من الإيمان بالله واليوم الآخر، فهذا يقوم به كل الناس من الذين آمنوا واليهود والنصارى والصابئين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. وبالطبع يلحق بهم البوذيون والشنتو ولاوتسي وزن والدلاي لاما وطوائف كثيرة لا حصر لهم، لم يذكرهم القرآن، ولم يكن يعرفهم العرب أو يسمعوا بهم، فأتباع زرادشت لا يختلفون عن الشنتين وجماعة الدلاي لاما بكثير وكذلك أتباع الفشنو وصوفية الهند.. ولكن بيننا وبين الفهم والتسامح مسافة ثلاث سنوات ضوئية بالضبط!!.