هناك ظاهرة يعرفها المسؤولون جيداً من شعور متناقض بين الخوف على المريض والخوف من المريض الذي يقود إلى زحلقة الحالات ليتفرق دم المريض بين القبائل!. ففي جو الخوف لا يبقى طب ولا طبيب ولا مهنة شريفة يعتز بها إنسان, وإذا أردنا طباً عصرياً يواكب العالم بما يجد فيه من إنجازات ونعالج مريضنا بالعلم وليس بالكي والشعوذة فيجب أن نعلم أن جو الخوف يقود إلى ثلاث فواجع كل واحدة منها أكبر من كارثة, تردي الإنتاج وتوقف التطوير وعدم إفساح مجال التدريب أمام كوادر الأطباء الناشئين. إن المزيد من العمل يعني المزيد من المضاعفات, وتقع الاختلاطات على مقدار كثافة العمل والإنتاج, فإذا أردنا ضغط العمل وتقليصه بهدف التخلص من الاختلاطات فيمكن إيصاله إلى الصفر فلا يبقى عمل ويتبخر الإنتاج ولا تحصل مضاعفات. ولكننا سنواجه مشكلتين لا حيلة لنا تجاههما أحلاهما مر: أولاً: لا يمكن فعل ذلك بكل بساطة, لأنه لابد لنا من ممارسة الطب على أي شكل أمام واقع وجود المرض وحوادث لا مفر منها. وثانياً: يجب استيعاب حقيقة تزايد المضاعفات مع نقص كم العمل على نحو متناقض بنسبة منكوسة, أو بالعكس من تحسن الأداء وتراجع المضاعفات مع ارتفاع كم العمل, فكل عمل يمارس أكثر تتم السيطرة عليه بشكل أفضل, وكل عمل نخشى منه ونطبقه بشكل ضيق ترتفع فيه حصة المشاكل أكثر، سنّة الله في خلقه. وكما يقول المثل العربي: إذا هبت من الشيء فقع عليه, فخوفك منه أشد من وقوعك فيه, ومع دفع العمل إلى التطوير وإبداع طرق جديدة يجب أن نتوقع سقوط ضحايا بين الحين والآخر. وعندما سئل جراح القلب الأمريكي المشهور كولي عن مرضاه قال: كانت نسبة الخطأ عندنا عالية في العمليات الخمسين الأولى, ثم تناقصت ولاحظ أنه لم يقل “اختفت”. فلا يمكن ممارسة طب حديث دون مضاعفات, ويجب أن نستوعب هذه الحقيقة الكريهة. وأخيراً إذا أردنا تدريب أبنائنا طلاب الطب وتحت إشراف صارم فيجب توقع حدوث مالا نحب من مضاعفات من سواعد لابد من تدريبها وتحمل أخطائها ما لم نكتفِ بأطباء يشيخون تدريجياً ومعهم طب يشيخ ويذوي ولا يعرف التطوير فيموت عندما نحجز أبناءنا عن رحلة الصعود والتمكن, وهذا لا يقوله رجل حريص على التطوير. وفي الختام وهي زبدة الكلام التي يجب التصريح بها: لا يمكن تطوير طب معاصر ما لم يكن مغلفاً بأمرين: نظام تأمين طبي ضد أخطاء العمل يحمي الطبيب وجو علمي ينمو به. فيجب أن ننشّط آليات التفكير والإبداع حتى لا نكون خارج إحداثيات العصر, ويجب حماية الأطباء حتى يؤدّوا عملهم دون توتر, لا يعضهم الخوف أو ترتجف مفاصلهم من لجان التحقيق, ونحن نعرف أن من يرجف لا يحسن الكتابة أو النطق.