لا يستوعب عمل الأطباء إلا من رآهم عن كثب يمضي أحدهم الليل بكامله يجافي جنبه عن مضجعه مشدود الأعصاب في سبيل إنقاذ حياة مريض أو تخفيف معاناة متألم؟ كل المهن يعمل عليها الإنسان، أما الطبيب فيعمل على الإنسان سيد المهن. لا غرابة أن اقترن عمل الساحر مع الطبيب قديماً لأن ما يقوم به أقرب إلى السحر ويقترب من حافة المعجزة. ولا يمكن لأي أجر مهما غلا، وأي مدح مهما علا، أن يجازي عمل الطبيب، وهذا لا يعني أن الطبيب فوق الخطأ ودون النقد بل يمكن أن يخطيء كأي خطأ في أي مهنة. وإذا أردنا طباً عصرياً دون (مضاعفات COMPLICATION) فيجب أن نغلق كل المشافي الحديثة التي أنفقت عليها الدولة مليارات الريالات، ونسرح جموع الأطباء الذين استقدمتهم المملكة من كل فج عميق ومن كل اختصاص، ونعيد الممرضات إلى الجزر البعيدة والقارات الشاسعة، ونطلِّق كل الطب الحديث فنغلق قاعات العمليات ونطفيء أنوار المخابر ونلغي بنوك الدم ونمارس الطب الشعبي الذي ليس بطب ولا شعبي. يجب إذن باختصار أن نشطب كل إنجازات الطب المذهلة بما لا يقوله أحد. واليوم تتوالى إنجازات في مشافٍ لا حصر لها كانت قديماً بحجم معجزة، وهي عينة عما يتكرر في كل مدن المملكة ومشافيها من إنجازات الطب الحديثة من مريضة نزفت بعد الولادة ووصلت إلى حافة الموت دون ضغط ونبض، تم انتشالها من لجة الموت فعادت إلى زوجها وأطفالها. وشاب صدمته سيارة فتمزق عنده أكبر وريد في البطن في أخطر مكان فوق الكبد حيث يصب في أذينة القلب، تم إنقاذه على يد فريق من الجراحين الصابرين في عملية دموية حتى مطلع الفجر. وثالث أطلق عليه الرصاص فمزق الوريد الأجوف السفلي في البطن فتم إنقاذ حياته بل وحياة أخرى خلفه مهددة بالقصاص في إنقاذ مزدوج. كل العيون تكتحل بالنوم إلا عيون الأطباء فلا تعرف الإغفاءة، وكل الناس ترتخي إلا الجراحين؛ فحياتهم قصيرة تمد في حياة الناس. ومشكلة المضاعفات في الطب هي عدم تفريقها عن الإهمال، فالأولى معترف بها في العالم أجمع في كل الكتب الطبية ما لم ننشيء لأنفسنا طباً جديداً لا يعترف بالمضاعفات. وبين المضاعفات و الإهمال حقول غامضة يجب إضاءتها لنتبين هل ما حصل كان إهمالاً قاد إلى الكارثة أم اختلاطاً حدث مع كل يقظة الطبيب ومبلغ علمه واستنفاره واستشارة زملائه. فكم من الحالات لم ينفع معها الجهد والتعاون لخطورة الحالة ومقاومة الجرثوم لكل صاد حيوي وانهيار المناعة وتعدد الإصابة وفشل الأعضاء الحيوية. وفي ضوء المضاعفات وشكوى المريض يأتي تأمين الأطباء ضد أخطاء العمل المهني يقيم الوزن بالقسط ولا يخسر الميزان.