في كل الخلافات والنزاعات تنتهي الأمور إلى ضرورة الحوار بين مختلف الأطراف، وكثيرة هي المشكلات في الوقت الراهن التي تستوجب حضور العقل من خلال الاعتراف بأن لا حل سوى الحوار المنفتح والمدرك لما ينبغي أن يتم أو يتحقق منه في مراحل مختلفة وأماكن عديدة في العالم ارتفعت أصوات على صوت العقل واستخدمت خيارات سيئة ظناً من البعض أنها قادرة على رفض الآخر وفرض واقع مغاير استناداً لتلك الخيارات التي بدت لأصحابها بأنها الأقوى وأنها قادرة على استغلال الظروف التي بدت أو تبدت لهم بأحسن ما يمكن، وغرتهم ليتجاوزوا فرضيات أخرى وحسابات أخرى لا تغطي على وضوحها ووجودها قبل ذلك سوى الحماقة والغرور.. حينها سارت الأمور وأفضت إلى كوارث، وفي أفضل الأحوال لم تؤسس نتائج الأمر الواقع المفروض بقوة الظروف وخيارات المرحلة بحلول صحيحة ودائمة، وبعد كل ذلك لا خيار أمام الجميع سوى الحوار المنطقي والعقلاني الذي لا يستغل المتغيرات الوقتية التي لم يتضح بعد ما وراءها ولا نتائجها وليس هناك من ضمانات لنجاحها وإن بدت ناجحة لكنها تنطوي على الكثير من الغموض، وبالتأكيد فإنها تقود الجميع نحو المجهول. التجارب التي لم تنضج بعد ولم يثبت نجاحها من أول وهلة لا ينبغي أن تتُخذ نموذجاً، ولا يجب استغلال الزخم الناجم عنها للاستقواء به واستخدامه كأوراق ضغط قبل الحوار وخلاله وبعده.. الآفاق لم تتضح ولم يكشف النهار عن حقيقة ما جرى في الليل وأحسب أن تبعات الحلول المفروضة بالقوة والرافضة للحوار والاعتراف بالواقع مهما بدت للمتابع والمراقب أو المستفيد بأنها تسير على النحو الذي يرضيه فإنها مضللة ولسوف يقتنع الجميع بأن ثمة خيارات كانت أفضل ولم تُستخدم وكان بالإمكان أن تكون النتائج أحسن وأكثر فائدة وأقل خسارة لو أعطى العقل مساحة أكبر ووقتاً أطول ليقول كلمته. هناك حروب جرت رُفض الحوار قبلها وأثناءها وبعد سنوات طويلة وبعدما أنهكت الحروب كل الأطراف فاق الجميع على ضرورة الحوار وقد تعاظمت الخسائر والتكاليف، فماذا لو حضر العقل قبل الحرب والجنون, وماذا لو جنح الجميع للسلم قبل الدماء والأشلاء والخراب؟ بالتأكيد يقول الجميع بأن الأمر كان أفضل.. المطلوب الآن وفي كل وقت أن يستفيد الناس من هكذا تجارب ليدركوا أن إغلاق الآذان والعقول أمام دعوات الحوار في كل زمن ومكان لا يؤدي إلا إلى الخسائر والندم، وأن الاعتماد على ظروف ومتغيرات بدت ولم تتضح ولم يثبت محركها من يكون, وما هي أهدافه الحقيقية سوف يفقد الأمور ويفتح أبواباً للجدل العقيم. إن مصائر الشعوب والدول لا تمر من بوابة التقليد غير المدروس أو ذلك التقليد الذي يأخذ بظواهر الأمور دون إدراك لمعطيات أخرى يجب أن تكون نصب الأعين والوعي.. هناك غرور يدفع نحو الكارثة فيما لو أطاعه الناس وساروا خلفه. هذا الغرور يزين لصاحبه كل أقواله وأفعاله فيرى خلاف الواقع ويتوقع خلاف الحقائق ولا يحسب حساب قضايا كثيرة وعوامل أكثر سوف تدخل في معترك الأحداث وهي حاضرة من الآن لكنهم يتجاهلونها ولا شيء سوى الغرور يعمي البصائر والأبصار.. السؤال الذي يفترض أن نوجهه لأنفسنا جميعاً، هل هناك أية إمكانية لحول حقيقية لكل مشكلة في البلد في الوقت الراهن يمكن أن يأتي حلها من غير باب الحوار الجاد والصادق؟. كل الحلول التي يضعها طرف يرفضها الطرف الآخر.. فما هو الحل؟ لا العنتريات ولا الاستقواء بالخارج ولا استغلال المتغيرات سوف يخدم بشيء إذا كان الهدف هو إيجاد حلول وإغلاق أبواب الخلافات والأزمات, فالحوار العقلاني الصادق هو الحل.