يبدو أن المقيمين في وادي الحوار الوطني يشارفون الوقوع في موقف محبط و حال صعب جدا. إذ برزت في الأسابيع القليلة الماضية في عدة انحناءات من الوادي مجالس أخرى تناقش مخرجات الحوار و مشاريع نتائجه و تعقد صفقات سياسية بعيدا عنهم و عن مجالسهم و قاعاتهم المعهودة . . نشطت الكواليس في وادي الحوار كثيرا في الأيام الأخيرة و نصبت لها خيام خاصة ، و ما زال هذا النشاط يتصاعد يوما بعد يوم شاملا ثلاث هيئات صغيرة من مؤتمر الحوار : هيئة الرئاسة ، و لجنة التوفيق ، و اللجنة المالية . . لم يعد للتصويت الأول في مجموعات العمل التسع مهما ، و لم يجرى تصويت ثان في أي منها حتى الآن ، و أصبح مبدأ التصويت في الجلسة الختامية النهائية على مجمل القضايا الخلافية على كف عفريت . و لم يتبق من الزمن سوى نصف شهر ، و هناك دعوات للتمديد تتراوح ما بين شهر و ثلاثة أشهر . . و الله أعلم .
خارج الوادي الوضع ضبابي الرؤية . . إنه لمن المؤسف أن يبتعد وادي الحوار عن بقية وديان البلاد – اليمن ، هذه حقيقة . فقد أمضيت الأسبوع الأخير من شهر رمضان الكريم في مدينة "الحديدة " ، و أمضيت ثلث إجازة العيد في " عدن " و ثلثيها الأخرى في العاصمة " صنعاء " و لم تكن فترة إجازة بالنسبة لي لأنني مدمن على العمل . و لم أجد عملا خلالها سوى أن أسأل من أجدهم : بماذا خرج مؤتمر الحوار الوطني ؟ كان السؤال طبيعيا لأنه لم يتبق من وقت المؤتمر سوى أقل من : 40 يوما . . حوالي : 50 % ممن سألتهم كانوا يفاجئون بالسؤال و يتجمدون كالأصنام ، و بعد برهة يقولون : لا نعلم . و حوالي : 27 % كانوا يأتوني بكلام عام ليس له أهمية أو جدوى يحاولون إظهار أنهم يفهمون . . أما البقية ( حوالي : 3 % ) فكانوا شبه مطلعين ، و لكن على بعض الجوانب و بعض القضايا دون سواها . . و الآن أصبح فهم ما يجرى في وادي الحوار أكثر غموضا و تعقيدا بسبب هيمنة مراكز قوى و هيمنت لجنة التوافق و تفاهمات الكواليس السابقة الذكر . . و التساؤل المهم هنا هو : هل سينهي وادي الحوار أعماله و تصلنا أخبار واضحة و مسرة منه بعد عناء التحضير و الانتظار الكبيرين ، و النفقات التي يقال أنها وصلت إلى : 350 مليون دولار ؟ .
بدأ العمل الرسمي لإنشاء وادي الحوار في العاصمة صنعاء منذ مطلع شهر أغسطس 2012م. ( اللجنة التحضيرية ) . و في حقيقة الأمر أن أعمال التحضير بدأت قبل ذلك ( في شهر إبريل 2012م. تقريبا ) بأشكال متعددة ، قامت بها مراكز و مؤسسات و منتديات و منظمات داخلية و خارجية ، و حتى وزارات ، متنوعة خصص لكل منها مجال معين لمتابعته . و واصلت تلك الأشكال المتعددة نشاطاتها ( تقريبا في جميع جوانب المجموعات التسع التي كونت لاحقا في مؤتمر الحوار ) حتى في ظل عمل اللجنة التحضيرية و أثناء انعقاد المؤتمر نفسه . و ليس عيبا أن تهيأ لعمل خير مقترحاتا ، و لكن العيب أن تكون تلك التهيئة محصورة على مؤسسات هدفها جمع المال ، و جماعات صغيرة و قوى معينة دون سواها . . و لقد كلفت تلك التهيئة والتحضير ما بين : 170 – 220 مليون دولار ( قبل افتتاح الوادي نفسه ) .
أفتتح وادي الحوار بتاريخ : 18 مارس 2013م. كان جميلا بكل المعاني ، خضرة ، و مباني حديثة ، و معيشة هنية ، و غذاء طيب ، و دخل جيد ، و هبات لقادة تحملوا ما هو أكبر منهم . . با له من وادي جميل ملئ بالأضواء و مناسب للشهرة و الشعبية لكل المتواجدين فيه . كل شيء نسق بتناغم ، بيد أن فئات و مناطق حرمت من هذا الابتهاج اليمني الجميل الذي هيمنت عليه القوى والأحزاب الموقعة على المبادرة الخليجية . . من الفئات المظلومة " الحراك السلمي الجنوبي " الذي شارك فصيل واحد منه قال أحد قادته أن رصيد فصيله المشارك أرتفع من : 8 % من بين قوى الحراك إلى : 60 % بينما في الحقيقة أن شعبية الفصيل تدنت نتيجة مشاركته من : 6 % إلى : 3 % . ويمكن للمعدل أن يتعدل على ضوء نتائج الحوار . .
كانت معالم الظلم في تمثيل " الحراك السلمي الجنوبي " و الجنوب في قائمة الحراك و في قائمة فخامة الرئيس واضحة . لأن ممثليهما اختيروا من قبل ثلاثة أشخاص ، هم : محمد على أحمد ( و هو زعيم حراكي ) و فخامة رئيس الجمهورية ، و شخص ثالث أخاف أن أذكر أسمه . و لنا أن نعد كم من هؤلاء الممثلين كانوا وزراء و نواب وزراء أو يتلك الدرجات العليا حتى نؤكد ما كتبناه في مقال سابق أنهم يمثلون " التيار الجنوبي لإدارة الحكم في الجمهورية اليمنية ( تاجلجي ) .
و هذا التعقيدات في ممثلي الحراك السلمي الجنوبي و المناطق الجنوبية نرى انعكاساتها الآن في تعقد ولادة حل للقضية الجنوبية ، فالحبلى في العناية المركزة لمستشفى وادي الحوار .
الفئة الثانية التي لم يسمح لها بالدخول إلى وادي الحوار بنسبة عادلة ، هي فئة الشباب التي قامت بثورة فبراير 2011م. و كان لها الفضل في ما حصل و يحصل من تغييرات ثورية إيجابية عجزنا نحن العجزة عن إحداثها على مدى عشرين عاما ، فمن بين مأتي ائتلاف شبابي شارك ممثلو : 20 ائتلافا شبابيا تقريبا . و لم يفلح الشباب تقدمهم إلى المحاكم ضد مؤتمر الحوار بشأن التظلم ، فأي حاكم يجرؤ على إنصافهم ، لا قضاء في وادي الحوار . . أما أهم الفئات المظلومة الأخرى فهي : المهاجرون الذين تصل أعدادهم ( مع ذوي الأصول اليمنية ) إلى ما يقارب نصف سكان البلد ، و القطاع الخاص ( 3 ممثلين فقط ) . و أاتوني بعامل واحد أو فلاح واحد يشارك في مؤتمر الحوار الوطني .
طبعا الحديث عن التمثيل في وادي الحراك ليس هدفه العودة إلى الماضي (هذا إذا كان ماضيا ) و لكن للتذكير بمدى تأثيره على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني و نتائجه و قراراته ، فنقص تمثيل الشباب مثلا يضعف شحنة التغيير و جدية البناء الجديد الذي يمكن الحصول عليهما في النتائج . و مثلا ضعف تمثيل المهاجرين و القطاع الخاص أضعف المخرجات الاقتصادية للمؤتمر تماما . و ما شابه .
و لاحظنا في وادي الحوار أنه تم تقسيمه إلى تسع مناطق ، كل منطقة معزولة عن الأخرى ، فكان كل مشارك في منطقة عقله و تفكيره في المنطقة الأخرى التي لا يستطيع الوصول أليها أو زيارة من هم فيها . و من أخطاء نظام المرور في الوادي أن أسس أن تكون العربة قبل الحصان ، و بعد أن قطعت اللجان التسع أشواطا الآن يريدون أن يعكسون الطريقة : كيف نرجع الحصان قبل العربة حتى يتسنى معالجة القضايا ذات الصلة بمجمل المواضيع ، مثلا : القضية الجنوبية . و مسائل أخرى .
وفي وادي الحوار كانت هناك أربع مراحل لعمل اللجان : اسباب المشكلة و مكامنها و رؤية المعالجات . و من بعدها جاءت الحلول في تصويت اللجان التسع ، و بعد أن أكملوا ذلك جاءت لجنة التوفيق منهم و فيهم ( المشاركين ) و كان يفترض أن تكون من أناس غيرهم لأنهم هم المختلفون أصلا . أي أن مؤتمر الحوار دخل صلب المواضيع الرئيسة بعد أن أستنفد حوالي ثلي وقته و جهده ، و لذلك حتى الآن لم تتضح الرؤية بعد عن ما سيعطينا من ثمار . و بهذا المط و التطويل وصل إلى أن يكون ثاني أطول حوار في العالم بعد الحوار الوطني الليبي ، و هناك من يطالب التمديد بحيث يصبح المؤتمر الأول طولا عالميا .
وبالنسبة للقضايا و مخرجات الحوار بخصوصها و التي نشرت في وادي الحوار . فنعم فيها جديد و لكنه لا يشكل بتقدير حوالي : 25 % من مجملها . هناك فقدان المصداقية و الصراحة الكافية في التشخيص ، فمعظم القضايا عقدت بشأنها في السابق عشرات الندوات و مئات الدراسات من قبل خبراء داخليين و خارجيين . و أغلب المخرجات في تلك القضايا لا خلاف عليها أصلا . و لكي تكون الفكرة واضحة – هنا - فقد قرأنا القرارات ال : 59 الخاصة بمجموعة بناء الدولة .
و لكن تشخيص الدولة القائمة النافذة لم يتم بشفافية فكلما أثير هذا الموضع حصل عراك . . فنظام الدولة القائم يقوم على مبادئ فعلية عملية ، هي : الاستقواء بالقوة ، الاستقواء بالمال ، و الاستقواء بالقبيلة ، الاستقواء بالمنطقة ، الاستقواء بالجاه ( السلطة ) الاستقواء بالتخريب . . و هذا ما يسبب غياب العدالة و تدهور الحالة الأمنية و أوضاع القضاء و حل النزاعات بين أفراد المجتمع بالرغم من القوى الأمنية و العسكرية الهائلة الحجم و الإمكانية . حيث يوجد جندي أو شرطي لكل ما بين : 25 -30 مواطنا ، و بدون فائدة ميدانية . أما إذا تحدثت عن كيف كان النظام السابق يتعامل مع الفساد أو كيف كان يتعامل مع الإرهاب و الإرهابيين فإن عليك الاستعداد ليس لعراك و إنما لقتال . كيف ستخلق نظاما جديدا جيدا إذا كنت ممنوع من تشخيص النظام السابق بشفافية ؟.
و لو أخذنا قضية صعدة كمثال آخر لوجدنا أنه لم تبرر الحروب الستة السابقة بشكل كاف . فالصراع له وجها قوى قبلية و قوى دينية ، و له وجه ثقافي ديني حول مستقبل المذهب الزيدية و وجوده . و أذكر هنا واقعة صديقي و ابني الباحث الفرنسي " لوران بونافوي " الذي كلفته منظمة الأزمات الدولية – قبل سنوات - بعمل بحث حول " قضية صعده " و طلب مني أن أساعده مثلما ساعدته دائما فرفضت و قلت له هذا موضع بحث حساس جدا و نصحته بالابتعاد عنه لكنه أصر ، و بعد إكمال بحثه و أثناء عودته من فرنسا حجز في المطار و أخلي كمبيوتره الخاص من محتوياته و صودرت كل ما معه من معلومات و أعيد إلى فرنسا بملابسه فقط ، و لم نستطع أنا و زوجتي أن نزور زوجته المتواجدة في صنعاء و التي لبست ثياب الحداد لأن زوجتي قالت : بطل لا عاد يتهمونا إننا مخابرات فرنسية ، وعلى قول المثل العدني : " تهمه بلا برمه " .
و بالنسبة للقضية الجنوبية ، فالكل يدركونها ، و التباين شديدا بين مختلف الاتجاهات للحلول ، و نتيجة للمرض / الفيروس الخطير الذي كان هو سبب كل مشاكل الوحدة اليمنية منذ عام 1990م. و أسمه : " الخوف المفرط على الوحدة اليمنية " . هذا المرض المنتشر كثيرا في صنعاء هو من ولد التآمر على الأخ ، و هو سبب حرب عام 1994م. و ما قبلها من مشاكل و ما حدث بعدها من مصائب و كوارث .
و على الأخوة في وادي الحوار أن يجدوا مضادا فعالا لهذا الفيروس القاتل و إلا سيخرج مؤتمر الحوار بدون حل مؤثر حقيقي للقضية الجنوبية و ستظل معلقة . . و الحلول المطروحة سواء جعلت الجنوب إقليمين في مجموعة أقاليم في اليمن أو أن يكون الجنوب أقاليم وحده إلى جانب أقاليم شمالي كلاهما مر لأصحاب " فيروس الخوف المفرط على الوحدة اليمنية " . . و لكنني من وجهة نظر علمية أرى أن الحل الأول أقل سهولة و تطبيقا و لمرحلة انتقالية تستعيد فيها الوحدة أنفاسها و تصحح ما لحق بها من أضرار و أخطاء و فوضى مع بقاء الدولة المركزية الواحدة للجهورية اليمنية كضامن و كمضاد للفيروس المذكور . . و السبب هنا في أولوية الخيار المذكور هو أنه لا يمكن تجاهل الأرت الاقتصادي و التركيبة الاجتماعية و النسيج الاجتماعي الذي ساد في عهود التشطير الطويلة ، و ما زال معظمه قائما .
و الذي يتجلى و بقى الآن في أن المشاكل الرئيسة بشتى أنواعها في الجنوب تختلف عن المشاكل الرئيسة بشتى أنواعها في الشمال . هناك اختلاف كبير في المشاكل و الصعوبات . فالصعوبات و المشاكل في شمال الوطن أكبر ، و الصعوبات في جنوب الوطن أقل و لكنها أكثر حساسية . صحيح أن المشاكل و الصعوبات المشتركة و المتشابهة كثيرة ، و لكن المشاكل و الصعوبات ذات الخصوصية أقوى تأثيرا لأن الروح الوحدوية جرحت و ضعفت .
و تجربة الإقليمين ليست سهلة أيضا . فقد يتم النجاح هنا أو هناك ، و قد يتم الفشل هنا أو هناك . فتطبيق الإقليمين هو امتحان حضاري ، و هو فرصة لتصحيح كل أقاليم لأخطائه و فرصة لأعاده بناء الوحدة عبر الدولة الواحدة القوية ، أي انه سيكون لدينا ثلاثة أشكال تتفاعل ، و أقواها إيجابية الدولة الاتحادية الموحدة . فلماذا الخوف على الوحدة ؟.
و المشكلة في تطبيق عدة أقاليم اتحادية في اليمن هي ضعف قابلية المناطق الشمالية للنظام الفيدرالي ، فبالضافة إلى الأرت الاقتصادي و التركيبة الاجتماعية و النسيج الاجتماعي . فإذا وفقت في فرض عدة أقاليم اقتصادية مقترحة في اليمن فسوف تضع نفسك مباشرة على الخطوة التالية الهامة ، و هي : العمل حالا بالفيدرالية المالية التي هي أساس نظام الأقاليم ( و ما أدراك ما الفيدرالية المالية ) و هذا سيسبب مشاكل كبيرة و ربما أدى إلى قيام حروب بين القبائل و المناطق و الأقاليم ستمزق اليمن . . فأنا أطلعت على مقترح الأقاليم الاقتصادية الستة عند بدء مؤتمر الحوار ( وثيقة كبيرة ) .
صحيح أنها جيدة إلى حد ما نظريا ، و لكن عيبها الرئيس الذي أغفله مجمل المشاركين بوضعها و فرق العمل لكل أقاليم هو أنهم لم يضعوا حسابا لل " الفيدرالية المالية " التي لن تتم أقاليم بدونها ، و هذا خطأ فادح و قاتل كونه تجاهل للعلاقة المالية بين مجموعة الأقاليم من جهة و الأقاليم ( مجتمعة و منفردة ) مع الدولة المركزية من جهة أخرى . و هي مسألة تصبح أسهل و يمكن حسمها بين إقليمين كانا منفصلين إلى ما قبل عقدين من الزمن مضت . . و برؤية أخرى عملية فإن تطبيق إقليمين في اليمن ( شمال و جنوب ) يحتاج إلى فترة زمنية ما بين : 3 – 5 سنوات . بينما تطبيق عدة أقاليم في اليمن يحتاج إلى فترة زمنية ما بين : 10 – 20 سنة . و ربما تقوم ثورة شعبية جديدة قبل تطبيقها نتيجة كلفتها المالية الكبيرة ، و هذ الاحتمال وارد حتى بالنسبة للخيار الأول القصير الأمد بسبب من تردي الأوضاع الاقتصادية و انتشار الفساد المتواصلين .
و لا تعتبر القضية الجنوبية عصية عن الحل ، هناك خيارات إضافية عدة جيدة ، و هناك خيارات مضافة أفضل تجعل ما هو مطروح الآن على بساط البحث مقبولا ، و قد تكون مقبولة لدى معظم الأطراف . . و لكن من يسمح للمبدعين بدخول وادي الحوار و قد شارف على الانتهاء . فلقد كانت فكرة الانتقاء للمشاركين منذ البداية أن تمت بدراسة ملفات كل مشارك ( يوجد تصريح رسمي بذلك ) و قامت على أساس اختيار من سيوافقون على خيارات محدودة و مقترحات وسطية ، و رفض من قد يعرقلون و يطرحون مقترحات جديدة ( و هناك تصريح رسمي آخر بذلك ) . . ما فات ، و المهم الآن هو ما سبب طرحنا مثل هذه التحليلات و الآراء و المقترحات . و الجواب هو أن العقد على الإقامة بوادي الحوار شارف على النفاذ ، ربما بقي عليه أسبوعين ، و ربما بقي عليه شهرا ، و ربما أكثر .
لا توجد فترة طويلة لوضع المخرجات و النتائج ، لذا نقول للمقيمين في وادي الحوار استمعوا لآراء الناس الصادقة و دففوا فيها ، قبل أن ينتهي مؤتمر الحوار ، و قبل أن يصبح وادي الحوار مفتوحا للناس جميعا لدخوله و التمتع بجماله و خيراته . . هذا إذا لم يدخله قبل العامة الناهبون من مراكز القوى الذين يبدون غير آبيهن بمؤتمر الحوار ، و جل جهدهم أن يحضروا – حاليا - بشراهة و شراسة للانتخابات العامة الرئاسية و النيابية ليسيطروا على كل شيء و من ثم ينهبون وادي الحوار ، الجمل بما حمل .
إننا نرى أن أغلبية المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني يشعرون بالمسئولية الجسيمة و التاريخية التي تقع على عاتقهم ، خاصة في هذه المرحلة الحاسمة من استكمال أعماله ، و هناك قسم من المشاركين - و مع نهاية أعمال المؤتمر و انتهاء فترة الإقامة بوادي الحوار - قد يملون المعارضة و الصراع و النقاش الطويل و يستسلمون لحلول على خلاف قناعاتهم . . و مثل هؤلاء ، و من جنوا الأموال من وادي الحوار بمن فيهم بعض ممثلي الجنوب الذين أثروا في ستة أشهر ، أذكرهم بنكتة أو قصة واقعية . . فذات يوم ، و بعد يومين من تبديل صديقي الوزير بوزير آخر بعد أربعة أعوام من الأضواء و الهناء طلب مني أن أذهب أليه و أخزن ( أمضغ ) القات معه .
كان وحيدا ، حزينا ، مكتئبا .. و قال لي :" شوف حال الدنيا بعد ما كان العشرات حولي أنفضوا جميعا ، إنني مكتئب ، و دعوتك كي أضحك " . و رغم أنني لم أستفد منه خلال الأربع السنوات التي قضاها في الوزارة حاولت إخراجه من حالته التعيسة ، فقلت له " مش مهم حال الدنيا ، و لا مهم حال الوزارة ، المهم الشناط الحديدية في الطابق الأعلى " فرد مستعجبا : " ماذا ؟ " . فأوضحت له : " المهم الحقائب الحديدية التي في الطابق الأعلى ، هل هي ممتلئة بالنقود ؟ " أبتسم ابتسامة صغيرة ، ثم أكبر ، و بعدها أخذ يقهقه ضاحكا من كل قلبه . أخيرا . . نتمنى لمؤتمر الحوار الوطني التوفيق و النجاح .