تنفيذية انتقالي المنصورة تناقش الأوضاع الخدمية بالمديرية    صنعاء.. الداخلية تعلن الاحتفال بالمناسبات الوطنية رسميًا وتمنع أي نشاط خارج الإطار الرسمي    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشيخ أحمد محمد الهتار    أصدقاء جنوب اليمن: زيارة الرئيس الزُبيدي إلى نيويورك تعزز حضور القضية الجنوبية دولياً    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    العليمي يلتقي الشرع والأخير يؤكد على أهمية التنسيق لمواجهة التحديات المشتركة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    مقتل وإصابة 8 أشخاص بانفجار 4 قنابل يدوية في شعوب    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    بن الوزير يتابع تأهيل مبنى الإدارة المحلية في شبوة    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    وقفة شعبية في مديرية الثورة احتفاءً بعيد ثورة 21 سبتمبر وإسناداً لغزة    تعز.. المعتصمون يصعدون في وجه السلطة المحلية بعد محاولة تفكيك خيام الاعتصام    انفجار قرب سفينة تجارية في خليج عدن    الأرصاد يتوقع أمطارًا متفاوتة الشدة على عدة محافظات    هكذا يتغير الشرق الأوسط.. الصراع السعودي الإسرائيلي    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    مركز الملك سلمان يوزّع خيام وحقائب إيواء للمتضررين من السيول بمحافظة حجة    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    الديوان الملكي السعودي : وفاة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    أمن العاصمة عدن يضبط متهمًا بسرقة 100 جرام ذهب بالمنصورة    ديمبيلي ثالث مسلم يتوج بالكرة الذهبية وحضور لافت للاعبين مسلمين بالقائمة    في مهرجان خطابي وفني.. إصلاح الحديدة يؤكد أن تحرير المحافظة مفتاح لانتصار الجمهورية    الذهب عند ذروته: ارتفاع قياسي في الأسعار    احترام القانون اساس الأمن والاستقرار ..الاجراءات تجاه ماموري الضبط القضائي انموذجا    الرئيس الزُبيدي يلتقي رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ ويشيد بجهودها الإغاثية والتنموية في بلادنا    بالتتويج الثالث.. بونماتي تكتب التاريخ    بعد 14 عاما.. مارسيليا يُسقِط باريس في ال«فيلودروم»    قوات الإصلاح في تعز تحمي قتلة "افتهان المشهري"    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    يامال وفيكي يتوجان بجائزة «كوبا».. ودوناروما الحارس الأفضل    الدوري الايطالي: نابولي يواصل انطلاقته المثالية بانتصار مثير على بيزا    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    في تقرير لها حول استهداف مقر صحيفتي " 26 سبتمبر " و" اليمن ".. لجنة حماية الصحفيين الدولية: "إسرائيل" تحولت إلى قاتل إقليمي للصحفيين    حين تُغتال الكلمة.. وداعاً عبدالعزيز الشيخ    غموض يكتنف اختفاء شاعر في صنعاء    عبقرية "سورج" مع برشلونة جعلته اقوي جهاز فني في أوروبا..!    حين يُتّهم الجائع بأنه عميل: خبز حافي وتهم بالعمالة..!    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار وادي الحوار
نشر في عدن الغد يوم 03 - 09 - 2013

يبدو أن المقيمين في وادي الحوار الوطني يشارفون الوقوع في موقف محبط و حال صعب جدا. إذ برزت في الأسابيع القليلة الماضية في عدة انحناءات من الوادي مجالس أخرى تناقش مخرجات الحوار و مشاريع نتائجه و تعقد صفقات سياسية بعيدا عنهم و عن مجالسهم و قاعاتهم المعهودة . . نشطت الكواليس في وادي الحوار كثيرا في الأيام الأخيرة و نصبت لها خيام خاصة ، و ما زال هذا النشاط يتصاعد يوما بعد يوم شاملا ثلاث هيئات صغيرة من مؤتمر الحوار : هيئة الرئاسة ، و لجنة التوفيق ، و اللجنة المالية . . لم يعد للتصويت الأول في مجموعات العمل التسع مهما ، و لم يجرى تصويت ثان في أي منها حتى الآن ، و أصبح مبدأ التصويت في الجلسة الختامية النهائية على مجمل القضايا الخلافية على كف عفريت . و لم يتبق من الزمن سوى نصف شهر ، و هناك دعوات للتمديد تتراوح ما بين شهر و ثلاثة أشهر . . و الله أعلم .


خارج الوادي الوضع ضبابي الرؤية . . إنه لمن المؤسف أن يبتعد وادي الحوار عن بقية وديان البلاد – اليمن ، هذه حقيقة . فقد أمضيت الأسبوع الأخير من شهر رمضان الكريم في مدينة "الحديدة " ، و أمضيت ثلث إجازة العيد في " عدن " و ثلثيها الأخرى في العاصمة " صنعاء " و لم تكن فترة إجازة بالنسبة لي لأنني مدمن على العمل . و لم أجد عملا خلالها سوى أن أسأل من أجدهم : بماذا خرج مؤتمر الحوار الوطني ؟ كان السؤال طبيعيا لأنه لم يتبق من وقت المؤتمر سوى أقل من : 40 يوما . . حوالي : 50 % ممن سألتهم كانوا يفاجئون بالسؤال و يتجمدون كالأصنام ، و بعد برهة يقولون : لا نعلم . و حوالي : 27 % كانوا يأتوني بكلام عام ليس له أهمية أو جدوى يحاولون إظهار أنهم يفهمون . . أما البقية ( حوالي : 3 % ) فكانوا شبه مطلعين ، و لكن على بعض الجوانب و بعض القضايا دون سواها . . و الآن أصبح فهم ما يجرى في وادي الحوار أكثر غموضا و تعقيدا بسبب هيمنة مراكز قوى و هيمنت لجنة التوافق و تفاهمات الكواليس السابقة الذكر . . و التساؤل المهم هنا هو : هل سينهي وادي الحوار أعماله و تصلنا أخبار واضحة و مسرة منه بعد عناء التحضير و الانتظار الكبيرين ، و النفقات التي يقال أنها وصلت إلى : 350 مليون دولار ؟ .


بدأ العمل الرسمي لإنشاء وادي الحوار في العاصمة صنعاء منذ مطلع شهر أغسطس 2012م. ( اللجنة التحضيرية ) . و في حقيقة الأمر أن أعمال التحضير بدأت قبل ذلك ( في شهر إبريل 2012م. تقريبا ) بأشكال متعددة ، قامت بها مراكز و مؤسسات و منتديات و منظمات داخلية و خارجية ، و حتى وزارات ، متنوعة خصص لكل منها مجال معين لمتابعته . و واصلت تلك الأشكال المتعددة نشاطاتها ( تقريبا في جميع جوانب المجموعات التسع التي كونت لاحقا في مؤتمر الحوار ) حتى في ظل عمل اللجنة التحضيرية و أثناء انعقاد المؤتمر نفسه . و ليس عيبا أن تهيأ لعمل خير مقترحاتا ، و لكن العيب أن تكون تلك التهيئة محصورة على مؤسسات هدفها جمع المال ، و جماعات صغيرة و قوى معينة دون سواها . . و لقد كلفت تلك التهيئة والتحضير ما بين : 170 – 220 مليون دولار ( قبل افتتاح الوادي نفسه ) .


أفتتح وادي الحوار بتاريخ : 18 مارس 2013م. كان جميلا بكل المعاني ، خضرة ، و مباني حديثة ، و معيشة هنية ، و غذاء طيب ، و دخل جيد ، و هبات لقادة تحملوا ما هو أكبر منهم . . با له من وادي جميل ملئ بالأضواء و مناسب للشهرة و الشعبية لكل المتواجدين فيه . كل شيء نسق بتناغم ، بيد أن فئات و مناطق حرمت من هذا الابتهاج اليمني الجميل الذي هيمنت عليه القوى والأحزاب الموقعة على المبادرة الخليجية . . من الفئات المظلومة " الحراك السلمي الجنوبي " الذي شارك فصيل واحد منه قال أحد قادته أن رصيد فصيله المشارك أرتفع من : 8 % من بين قوى الحراك إلى : 60 % بينما في الحقيقة أن شعبية الفصيل تدنت نتيجة مشاركته من : 6 % إلى : 3 % . ويمكن للمعدل أن يتعدل على ضوء نتائج الحوار . .

كانت معالم الظلم في تمثيل " الحراك السلمي الجنوبي " و الجنوب في قائمة الحراك و في قائمة فخامة الرئيس واضحة . لأن ممثليهما اختيروا من قبل ثلاثة أشخاص ، هم : محمد على أحمد ( و هو زعيم حراكي ) و فخامة رئيس الجمهورية ، و شخص ثالث أخاف أن أذكر أسمه . و لنا أن نعد كم من هؤلاء الممثلين كانوا وزراء و نواب وزراء أو يتلك الدرجات العليا حتى نؤكد ما كتبناه في مقال سابق أنهم يمثلون " التيار الجنوبي لإدارة الحكم في الجمهورية اليمنية ( تاجلجي ) .

و هذا التعقيدات في ممثلي الحراك السلمي الجنوبي و المناطق الجنوبية نرى انعكاساتها الآن في تعقد ولادة حل للقضية الجنوبية ، فالحبلى في العناية المركزة لمستشفى وادي الحوار .


الفئة الثانية التي لم يسمح لها بالدخول إلى وادي الحوار بنسبة عادلة ، هي فئة الشباب التي قامت بثورة فبراير 2011م. و كان لها الفضل في ما حصل و يحصل من تغييرات ثورية إيجابية عجزنا نحن العجزة عن إحداثها على مدى عشرين عاما ، فمن بين مأتي ائتلاف شبابي شارك ممثلو : 20 ائتلافا شبابيا تقريبا . و لم يفلح الشباب تقدمهم إلى المحاكم ضد مؤتمر الحوار بشأن التظلم ، فأي حاكم يجرؤ على إنصافهم ، لا قضاء في وادي الحوار . . أما أهم الفئات المظلومة الأخرى فهي : المهاجرون الذين تصل أعدادهم ( مع ذوي الأصول اليمنية ) إلى ما يقارب نصف سكان البلد ، و القطاع الخاص ( 3 ممثلين فقط ) . و أاتوني بعامل واحد أو فلاح واحد يشارك في مؤتمر الحوار الوطني .


طبعا الحديث عن التمثيل في وادي الحراك ليس هدفه العودة إلى الماضي (هذا إذا كان ماضيا ) و لكن للتذكير بمدى تأثيره على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني و نتائجه و قراراته ، فنقص تمثيل الشباب مثلا يضعف شحنة التغيير و جدية البناء الجديد الذي يمكن الحصول عليهما في النتائج . و مثلا ضعف تمثيل المهاجرين و القطاع الخاص أضعف المخرجات الاقتصادية للمؤتمر تماما . و ما شابه .


و لاحظنا في وادي الحوار أنه تم تقسيمه إلى تسع مناطق ، كل منطقة معزولة عن الأخرى ، فكان كل مشارك في منطقة عقله و تفكيره في المنطقة الأخرى التي لا يستطيع الوصول أليها أو زيارة من هم فيها . و من أخطاء نظام المرور في الوادي أن أسس أن تكون العربة قبل الحصان ، و بعد أن قطعت اللجان التسع أشواطا الآن يريدون أن يعكسون الطريقة : كيف نرجع الحصان قبل العربة حتى يتسنى معالجة القضايا ذات الصلة بمجمل المواضيع ، مثلا : القضية الجنوبية . و مسائل أخرى .


وفي وادي الحوار كانت هناك أربع مراحل لعمل اللجان : اسباب المشكلة و مكامنها و رؤية المعالجات . و من بعدها جاءت الحلول في تصويت اللجان التسع ، و بعد أن أكملوا ذلك جاءت لجنة التوفيق منهم و فيهم ( المشاركين ) و كان يفترض أن تكون من أناس غيرهم لأنهم هم المختلفون أصلا . أي أن مؤتمر الحوار دخل صلب المواضيع الرئيسة بعد أن أستنفد حوالي ثلي وقته و جهده ، و لذلك حتى الآن لم تتضح الرؤية بعد عن ما سيعطينا من ثمار . و بهذا المط و التطويل وصل إلى أن يكون ثاني أطول حوار في العالم بعد الحوار الوطني الليبي ، و هناك من يطالب التمديد بحيث يصبح المؤتمر الأول طولا عالميا .


وبالنسبة للقضايا و مخرجات الحوار بخصوصها و التي نشرت في وادي الحوار . فنعم فيها جديد و لكنه لا يشكل بتقدير حوالي : 25 % من مجملها . هناك فقدان المصداقية و الصراحة الكافية في التشخيص ، فمعظم القضايا عقدت بشأنها في السابق عشرات الندوات و مئات الدراسات من قبل خبراء داخليين و خارجيين . و أغلب المخرجات في تلك القضايا لا خلاف عليها أصلا . و لكي تكون الفكرة واضحة – هنا - فقد قرأنا القرارات ال : 59 الخاصة بمجموعة بناء الدولة .

و لكن تشخيص الدولة القائمة النافذة لم يتم بشفافية فكلما أثير هذا الموضع حصل عراك . . فنظام الدولة القائم يقوم على مبادئ فعلية عملية ، هي : الاستقواء بالقوة ، الاستقواء بالمال ، و الاستقواء بالقبيلة ، الاستقواء بالمنطقة ، الاستقواء بالجاه ( السلطة ) الاستقواء بالتخريب . . و هذا ما يسبب غياب العدالة و تدهور الحالة الأمنية و أوضاع القضاء و حل النزاعات بين أفراد المجتمع بالرغم من القوى الأمنية و العسكرية الهائلة الحجم و الإمكانية . حيث يوجد جندي أو شرطي لكل ما بين : 25 -30 مواطنا ، و بدون فائدة ميدانية . أما إذا تحدثت عن كيف كان النظام السابق يتعامل مع الفساد أو كيف كان يتعامل مع الإرهاب و الإرهابيين فإن عليك الاستعداد ليس لعراك و إنما لقتال . كيف ستخلق نظاما جديدا جيدا إذا كنت ممنوع من تشخيص النظام السابق بشفافية ؟.


و لو أخذنا قضية صعدة كمثال آخر لوجدنا أنه لم تبرر الحروب الستة السابقة بشكل كاف . فالصراع له وجها قوى قبلية و قوى دينية ، و له وجه ثقافي ديني حول مستقبل المذهب الزيدية و وجوده . و أذكر هنا واقعة صديقي و ابني الباحث الفرنسي " لوران بونافوي " الذي كلفته منظمة الأزمات الدولية – قبل سنوات - بعمل بحث حول " قضية صعده " و طلب مني أن أساعده مثلما ساعدته دائما فرفضت و قلت له هذا موضع بحث حساس جدا و نصحته بالابتعاد عنه لكنه أصر ، و بعد إكمال بحثه و أثناء عودته من فرنسا حجز في المطار و أخلي كمبيوتره الخاص من محتوياته و صودرت كل ما معه من معلومات و أعيد إلى فرنسا بملابسه فقط ، و لم نستطع أنا و زوجتي أن نزور زوجته المتواجدة في صنعاء و التي لبست ثياب الحداد لأن زوجتي قالت : بطل لا عاد يتهمونا إننا مخابرات فرنسية ، وعلى قول المثل العدني : " تهمه بلا برمه " .


و بالنسبة للقضية الجنوبية ، فالكل يدركونها ، و التباين شديدا بين مختلف الاتجاهات للحلول ، و نتيجة للمرض / الفيروس الخطير الذي كان هو سبب كل مشاكل الوحدة اليمنية منذ عام 1990م. و أسمه : " الخوف المفرط على الوحدة اليمنية " . هذا المرض المنتشر كثيرا في صنعاء هو من ولد التآمر على الأخ ، و هو سبب حرب عام 1994م. و ما قبلها من مشاكل و ما حدث بعدها من مصائب و كوارث .


و على الأخوة في وادي الحوار أن يجدوا مضادا فعالا لهذا الفيروس القاتل و إلا سيخرج مؤتمر الحوار بدون حل مؤثر حقيقي للقضية الجنوبية و ستظل معلقة . . و الحلول المطروحة سواء جعلت الجنوب إقليمين في مجموعة أقاليم في اليمن أو أن يكون الجنوب أقاليم وحده إلى جانب أقاليم شمالي كلاهما مر لأصحاب " فيروس الخوف المفرط على الوحدة اليمنية " . . و لكنني من وجهة نظر علمية أرى أن الحل الأول أقل سهولة و تطبيقا و لمرحلة انتقالية تستعيد فيها الوحدة أنفاسها و تصحح ما لحق بها من أضرار و أخطاء و فوضى مع بقاء الدولة المركزية الواحدة للجهورية اليمنية كضامن و كمضاد للفيروس المذكور . . و السبب هنا في أولوية الخيار المذكور هو أنه لا يمكن تجاهل الأرت الاقتصادي و التركيبة الاجتماعية و النسيج الاجتماعي الذي ساد في عهود التشطير الطويلة ، و ما زال معظمه قائما .

و الذي يتجلى و بقى الآن في أن المشاكل الرئيسة بشتى أنواعها في الجنوب تختلف عن المشاكل الرئيسة بشتى أنواعها في الشمال . هناك اختلاف كبير في المشاكل و الصعوبات . فالصعوبات و المشاكل في شمال الوطن أكبر ، و الصعوبات في جنوب الوطن أقل و لكنها أكثر حساسية . صحيح أن المشاكل و الصعوبات المشتركة و المتشابهة كثيرة ، و لكن المشاكل و الصعوبات ذات الخصوصية أقوى تأثيرا لأن الروح الوحدوية جرحت و ضعفت .


و تجربة الإقليمين ليست سهلة أيضا . فقد يتم النجاح هنا أو هناك ، و قد يتم الفشل هنا أو هناك . فتطبيق الإقليمين هو امتحان حضاري ، و هو فرصة لتصحيح كل أقاليم لأخطائه و فرصة لأعاده بناء الوحدة عبر الدولة الواحدة القوية ، أي انه سيكون لدينا ثلاثة أشكال تتفاعل ، و أقواها إيجابية الدولة الاتحادية الموحدة . فلماذا الخوف على الوحدة ؟.


و المشكلة في تطبيق عدة أقاليم اتحادية في اليمن هي ضعف قابلية المناطق الشمالية للنظام الفيدرالي ، فبالضافة إلى الأرت الاقتصادي و التركيبة الاجتماعية و النسيج الاجتماعي . فإذا وفقت في فرض عدة أقاليم اقتصادية مقترحة في اليمن فسوف تضع نفسك مباشرة على الخطوة التالية الهامة ، و هي : العمل حالا بالفيدرالية المالية التي هي أساس نظام الأقاليم ( و ما أدراك ما الفيدرالية المالية ) و هذا سيسبب مشاكل كبيرة و ربما أدى إلى قيام حروب بين القبائل و المناطق و الأقاليم ستمزق اليمن . . فأنا أطلعت على مقترح الأقاليم الاقتصادية الستة عند بدء مؤتمر الحوار ( وثيقة كبيرة ) .

صحيح أنها جيدة إلى حد ما نظريا ، و لكن عيبها الرئيس الذي أغفله مجمل المشاركين بوضعها و فرق العمل لكل أقاليم هو أنهم لم يضعوا حسابا لل " الفيدرالية المالية " التي لن تتم أقاليم بدونها ، و هذا خطأ فادح و قاتل كونه تجاهل للعلاقة المالية بين مجموعة الأقاليم من جهة و الأقاليم ( مجتمعة و منفردة ) مع الدولة المركزية من جهة أخرى . و هي مسألة تصبح أسهل و يمكن حسمها بين إقليمين كانا منفصلين إلى ما قبل عقدين من الزمن مضت . . و برؤية أخرى عملية فإن تطبيق إقليمين في اليمن ( شمال و جنوب ) يحتاج إلى فترة زمنية ما بين : 3 – 5 سنوات . بينما تطبيق عدة أقاليم في اليمن يحتاج إلى فترة زمنية ما بين : 10 – 20 سنة . و ربما تقوم ثورة شعبية جديدة قبل تطبيقها نتيجة كلفتها المالية الكبيرة ، و هذ الاحتمال وارد حتى بالنسبة للخيار الأول القصير الأمد بسبب من تردي الأوضاع الاقتصادية و انتشار الفساد المتواصلين .


و لا تعتبر القضية الجنوبية عصية عن الحل ، هناك خيارات إضافية عدة جيدة ، و هناك خيارات مضافة أفضل تجعل ما هو مطروح الآن على بساط البحث مقبولا ، و قد تكون مقبولة لدى معظم الأطراف . . و لكن من يسمح للمبدعين بدخول وادي الحوار و قد شارف على الانتهاء . فلقد كانت فكرة الانتقاء للمشاركين منذ البداية أن تمت بدراسة ملفات كل مشارك ( يوجد تصريح رسمي بذلك ) و قامت على أساس اختيار من سيوافقون على خيارات محدودة و مقترحات وسطية ، و رفض من قد يعرقلون و يطرحون مقترحات جديدة ( و هناك تصريح رسمي آخر بذلك ) . . ما فات ، و المهم الآن هو ما سبب طرحنا مثل هذه التحليلات و الآراء و المقترحات . و الجواب هو أن العقد على الإقامة بوادي الحوار شارف على النفاذ ، ربما بقي عليه أسبوعين ، و ربما بقي عليه شهرا ، و ربما أكثر .

لا توجد فترة طويلة لوضع المخرجات و النتائج ، لذا نقول للمقيمين في وادي الحوار استمعوا لآراء الناس الصادقة و دففوا فيها ، قبل أن ينتهي مؤتمر الحوار ، و قبل أن يصبح وادي الحوار مفتوحا للناس جميعا لدخوله و التمتع بجماله و خيراته . . هذا إذا لم يدخله قبل العامة الناهبون من مراكز القوى الذين يبدون غير آبيهن بمؤتمر الحوار ، و جل جهدهم أن يحضروا – حاليا - بشراهة و شراسة للانتخابات العامة الرئاسية و النيابية ليسيطروا على كل شيء و من ثم ينهبون وادي الحوار ، الجمل بما حمل .


إننا نرى أن أغلبية المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني يشعرون بالمسئولية الجسيمة و التاريخية التي تقع على عاتقهم ، خاصة في هذه المرحلة الحاسمة من استكمال أعماله ، و هناك قسم من المشاركين - و مع نهاية أعمال المؤتمر و انتهاء فترة الإقامة بوادي الحوار - قد يملون المعارضة و الصراع و النقاش الطويل و يستسلمون لحلول على خلاف قناعاتهم . . و مثل هؤلاء ، و من جنوا الأموال من وادي الحوار بمن فيهم بعض ممثلي الجنوب الذين أثروا في ستة أشهر ، أذكرهم بنكتة أو قصة واقعية . . فذات يوم ، و بعد يومين من تبديل صديقي الوزير بوزير آخر بعد أربعة أعوام من الأضواء و الهناء طلب مني أن أذهب أليه و أخزن ( أمضغ ) القات معه .


كان وحيدا ، حزينا ، مكتئبا .. و قال لي :" شوف حال الدنيا بعد ما كان العشرات حولي أنفضوا جميعا ، إنني مكتئب ، و دعوتك كي أضحك " . و رغم أنني لم أستفد منه خلال الأربع السنوات التي قضاها في الوزارة حاولت إخراجه من حالته التعيسة ، فقلت له " مش مهم حال الدنيا ، و لا مهم حال الوزارة ، المهم الشناط الحديدية في الطابق الأعلى " فرد مستعجبا : " ماذا ؟ " . فأوضحت له : " المهم الحقائب الحديدية التي في الطابق الأعلى ، هل هي ممتلئة بالنقود ؟ " أبتسم ابتسامة صغيرة ، ثم أكبر ، و بعدها أخذ يقهقه ضاحكا من كل قلبه .
أخيرا . . نتمنى لمؤتمر الحوار الوطني التوفيق و النجاح .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.