ستكشف الأيام عن خديعة كبرى اسمها التغيير الذي رقص له الراقصون طرباً على آهات شعب وآلامه وعملوا من أجله بكل الوسائل السيئة قبل المشروعة, فلم تسلم الأرواح من قتل ولا المؤسسات والخدمات من تخريب, وكله باسم التغيير أو من أجله وكله باسم النضال السلمي والحرية والديمقراطية, فكيف سيكون الحال في النضال اللاسلمي؟ حكايات تبعث على الأسى والحزن في زمن تغيرت فيه المفاهيم وسقطت القيم والمبادئ في مستنقع الخديعة التي جرى تزيينها لتمر على الناس فلا يفيقون إلا وقد حلت عليهم المصائب والكوارث من كل نوع. ما من أحد يرفض التغيير وإذا سألت أحدهم: هل أنت مع التغيير أم لا؟ لا يمكن أن يكون جوابه بغير أنه مع التغيير بلا شك ومن غير نقاش أو جدال وهنا تكمن الخديعة ويمر السم بين العسل ولعل عقدة المرحلة هي أن عنوان المشكلة التي تحولت إلى أزمة ثم إلى معضلة هو “التغيير” الذي يحرم البعض مناقشة الفكرة والوقوف عندها لقراءة تفاصيلها وحساب نتائجها. أراد أولئك البعض أن يفرض طريقته وأسلوبه وقناعاته على الناس في حتمية التغيير الذي هو إسقاط النظام كشعار مرحلي وجد له صدى في العالم ووجد فيه العالم فرصة لتحقيق اهداف طالما استعصت من قبل ولم يجد لها باباً للدخول إلى مكونات المجتمع للعمل من أجلها وأقصد بالعالم هنا الدول التي لها أهداف ومصالح وقد استغلت فكرة التغيير التي بدورها لم تكن عفوية كفكرة عند انطلاقها وتحولها إلى حالة صراع بين فئات المجتمع العربي في أكثر من قطر. الخسائر المادية والبشرية لا تقدر ولا تحصى وهي خسائر إلى اللحظة ناجمة عن سلمية الممارسة التي يتحدثون عنها كوسيلة للتغيير بينما الواقع يبدو لكل ذي عقل غير ذلك, ويبدو الصراع قد استشرى في أوصال الزمن العربي وفي حياة المجتمعات وسيصعب تفادي آثاره على المستقبل وهو يستقبل كل هذه الصراعات والتناقضات والتباينات. عجز العقل العربي أن ينتج حلولاً لأزماته ومشكلاته بما يضمن تفادي الخسائر الباهظة وبما يؤمن المستقبل من نتائج الخلافات التي لم تعد عادية كما تبدو اليوم في أكثر من قطر عربي. عجزت العقول أن تكتشف هذه الخديعة التي وقعت فيها الشعوب ولم تعمل على صياغة فكرة أفضل للتغيير نزولاً ووقوفاً عند القواسم المشتركة للمجتمع الواحد وهو يتشظى الآن ويدفع من أمنه واستقراره ومن السلم الذي كان ثقافة لم تطلها كل المتغيرات الدولية التي شهدها العصر وجرى استخدامها لخدمة أعداء المجتمعات العربية وأصحاب المصالح الاستعمارية. من المؤسف حقاً أن تقابل كل الآراء والمواقف التي تريد كشف الخديعة بالعداوة وبالتهمة الجاهزة بأن أصحاب هذه المواقف يعادون التغيير ومن بقايا الأنظمة الحالية دون إتاحة الفرصة لمناقشة الأمور بتأنٍّ وهدوء, ولعل الثقافة التي يجري تكريسها في هذا السياق هي المسئولة عن فشل الحلول وهي الكفيلة بتدمير هذه الشعوب. لم نسمع من قبل ولن نسمع في المستقبل عن رفض مطلق لكل أشكال الحوار إلا في زمن هذه الأزمة وهذا الرفض بحد ذاته سيتحول إلى ثقافة مرعبة لن تخدم أحداً حتى الرافضين للحوار اليوم والذين أغلقوا أبواب الحلول وسلكوا طريقاً واحداً هو العنف كبديل للحوار والسلم .. هنا يمكننا القول إن هذه المجتمعات سوف تخسر سلمها الاجتماعي برفض الحوار بين أطراف المجتمع الواحد لحل مشكلاته وسيفيق الجميع على واقع ليس هيناً وسيكشف المستقبل بحكم الواقع حجم المصاب ومقدار الكارثة إن لم يجرِ تداركها من اليوم.