أثبت اليمنيون، وخاصة الشباب, أنهم على قدر عالٍ من الوعي والفهم، والتعامل مع كل المنعطفات التاريخية الهامة بعقلانية وحكمة واقتدار. وأنهم حريصون كل الحرص على أمن بلدهم واستقرارهم، رافضين كل أشكال الفوضى والتخريب، منطلقين في ذلك من مصلحة الوطن العليا وجعلها فوق كل اعتبار. هكذا هو صوت العقل يظهر في اللحظات الحرجة، والمواقف الصعبة وهكذا هي الحكمة اليمانية تجمع أبناء اليمن على رأي واحد، هو الحفاظ على أمن واستقرار اليمن، وعدم الانجرار بالوطن إلى أتون أزمات جديدة، نحن في غنى عنها في الظرف الراهن. فلقد تجلت الحكمة اليمانية لأنها إرثنا التاريخي الذي ورثناه عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم حين وصفنا بقوله:”الإيمان يمان والحكمة يمانية” بأبهى صورها من خلال خطاب الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لإصلاح البيت اليمني، على قاعدة الشراكة, والجميع معني بالإصلاح والحفاظ على منجزات الثورة اليمنية. جاءت مبادرة رئيس الجمهورية لتذيب جليد الاحتقان السياسي والاتهامات المتبادلة بين أطراف المنظومة السياسية، وتضع الحلول والمعالجات للأزمات التي تمر بها اليمن، والخروج بها نحو وطن آمن مزدهر ومستقر. ومن أهم ماجاء في المبادرة أنها وضعت حداً للتكهنات بمسألة التوريث حيث جاءت لاءات الرئيس الثلاث: “لا تمديد, ولا تأبيد، ولا توريث”، لتحسم هذه التكهنات، وأن النظام اليمني نظام جمهوري ديمقراطي. كذلك مما جاء في المبادرة العودة إلى الحوار عبر اللجنة الرباعية، وهو أي الحوار نهجنا الحضاري والراقي لحل مشكلاتنا ولا شيء سواه، وتأجيل الانتخابات، والإصلاحات السياسية الشاملة، وغيرها من البنود الجديرة بالاحترام والتقدير.. والجميل في هذه المبادرة أنها جاءت قبل يوم واحد من المظاهرات والمسيرات التي دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك مطالبة بإصلاحات شاملة .. والعودة إلى الإجراءات المتفق عليها بينها وبين المؤتمر الشعبي العام في فبراير 2009م وذلك حتى تقطع شك المشككين بيقين التنازلات الوطنية حرصاً على أمن الوطن، وحفاظاً على مكتسباته وتلبية لمطالب الشعب، وليس مطالب المشترك فقط لأنها مطالب كل فئات الشعب. إنها مبادرة الحكمة، حيث رحبت بها القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني, واعتبرتها أرضية جيدة للخروج باليمن من نفق المهاترات والأزمات. وكما أثبت فخامة الرئيس بأنه الأحرص على أمن الوطن واستقراره أثبت أبناء اليمن أيضاًَ أنهم حريصون على أمن اليمن، وذلك من خلال المظاهرات سواء المؤيدة أو المعارضة، وقدموا للعالم صورة مشرقة من صور الديمقراطية اليمنية.. حيث جرت بهدوء وانسيابية، وفي ظل حرية التعبير واحترام الرأي الآخر, مجسدين بذلك الوعي الجماهيري والسلوك الحضاري الذي يعتبر ثمرة من ثمار التعددية السياسية التي جاءت بها دولة الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م.. وهنا تجلت الحكمة اليمانية راسخة في عقول أبناء اليمن وبالرغم من الجو الذي نعيشه في ظل التوتر والاحتقان السياسي، إلا أن نداء العقل والحكمة انتصر وسينتصر دوماً إلى جانب مصلحة الوطن، وتجنباً لمزيد من الأزمات. ولكن المهم والمطلوب الآن هو العمل الصادق والجاد على ترجمة هذه المبادرة إلى حقائق ملموسة، وإعلاء صوت الوطن على كل ماعداه من الأصوات والمصالح الأخرى والبدء بحوار وطني شامل دون استثناء لكل مشاكلنا، حتى نتمكن من معالجتها بحكمة ومسئولية وأمانة واقتدار، ونتجاوز معوقات الحاضر ونتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً.