وأنا أتابع الأحداث التي تجري في بعض الدول العربية الشقيقة على شاشات بعض القنوات الفضائية التلفزيونية لفتت انتباهي دعوات مغرضة من خلال بعض هذه القنوات لإحداث فتنة في بلادنا الحبيبة تستهدف وحدة هذا الوطن مصدرها عناصر تخريبية فقدت مصالحها الشخصية الضيقة بتحقيق الوحدة اليمنية المباركة في الثاني والعشرين من مايو1990م, ولفظ بعضها الشعب إلى خارج الوطن بعد أن حاولت العودة بشعبنا إلى عهد الانفصال بالقوة صيف العام 1994م. ولم تع هذه الفئة إلى اليوم أن الوحدة الغالية التي تحققت بالحوار, وتعمّدت بدم العديد من أبناء هذا الوطن الغالي لم تكن حدثاً عادياً في تاريخ وحياة شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية, بل مثّلت نقطة التحول الكبرى في مسيرة شعبنا اليمني العظيم نحو التطور والنماء. وستكون بإذن الله ثم بإرادة وعزيمة شعوبنا العربية نقطة الانطلاقة نحو تحقيق الوحدة العربية الشاملة في القريب العاجل إذا ما استجابت هذه الشعوب قيادات وأفراداً, حكاماً ومحكومين، وتفاعلت مع مبادرة يمن الوحدة لتحقيق التكامل العربي والتي تم تقديمها في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الجماهيرية العربية الليبية, وأن الشعب اليمنى أصبح اليوم أكثر وعياً وإدراكاً للمتغيرات الداخلية والخارجية وتجارب العديد من الدول والأنظمة السياسية, وبالتالي فهو أعلم بمن يحقق مصالحه ويحافظ على وحدته وأمنه واستقراره. إن وحدتنا الغالية تاج على هام التاريخ وألقٌ في جبين الدهر, بل هي الضوء في رحلة الحرية والانعتاق, وستظل حاضرةً في ذاكرة التاريخ والجغرافيا كونها إشراقة في زمن أدمن الانطفاء ونهضة في عالم ينهار باللمس. ولن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه أحد القول إن الوحدة فقدت بريقها أو انحسرت أهميتها, لأن قيمتها لم تأتِ من مظاهر الاحتفالات بها أو وميض أعيادها وإنما من عظمتها ومتانة البنية التي تقوم عليها والإنجاز الذي ارتبط حضارياً بها, ومعاني الأخوّة والتلاحم التي جسّدتها لأبنائها. وتأتي أهميتها من القوة التي منحتنا إياها بعد إعادة تحقيقها والمجد الذي بها استعدناه من براثن التشطير والتناحر، بل من مدلولات اتجاهنا نحو البناء واستثمار طاقات الإنسان اليمني بعيداً عن ثقافة المناطقية اللعينة التي حاربها ديننا الإسلامي الحنيف، وجاء الاستعمار ليذكيها فينا. إن الوحدة اليمنية تواجه اليوم العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي تستهدف تقويض بنيانها, وتشويه منجزاتها, وإيقاف مسيرتها المباركة لتحقيق الخير للوطن والأمة. ولا شك أن مواجهة هذه التحديات يتطلب منا جميعاً أفراداً ومنظمات, حكومة ومعارضة نعيش تحت مظلة الوحدة وعلى تراب هذا الوطن الواحد أن نجعل الوحدة خطاً أحمر, لا ولن نسمح لأي أحد بتجاوزه مهما كانت هويته وقوته وجبروته, وأن نحافظ عليها ونصون منجزاتها, ونقف كلنا صفاً واحداً ضد كل من تسوّل له نفسه الوقوف أمامها ومحاولة إيقاف مسيرتها والعودة بشعبنا إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990م. كما أن من واجب جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية اليوم الابتعاد تماماً عن طرح أو تأييد أي أفكار أو مواقف أو مشاريع تلحق الضرر بمسيرة الوحدة أو تدعو إلى الردة والانفصال مهما كان المقابل ومهما كان الممول أو الداعم لهذه المشاريع والأفكار الحقيرة. وعليها أن تستجيب لدعوة قيادتنا السياسية الحكيمة بالجلوس إلى طاولة الحوار لحل خلافاتها السياسية, والوصول إلى رؤية موحدة ومشتركة لتعزيز وحدتنا الوطنية وتحقيق التقدم والنماء لوطننا الغالي, وتغليب مصلحة الوطن العليا على أي مصالح شخصية أو حزبية ضيقة. وختاماً أتمنى من تلك العناصر التي تنكّرت لخير الوحدة وتحلم بالعودة إلى عهد الانفصال البائد أن تعود إلى رشدها وتتخلّى عن أعمال الطيش والعنف الثوري وعدم القبول بالآخر والترويج لثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد والتي لا يحصد من ورائها الوطن وأبناؤه غير الفوضى والخراب وعرقلة جهود التنمية والتطوير والإضرار بالوحدة الوطنية. وعلى الجميع أن يدرك تماماً أن الوحدة ستظل أبدية لأنها صيغت بأيدي الحكماء, وتحققت بسواعد الشرفاء وتعمّدت بدماء الشهداء, فأصبحت بذلك أبدية مادامت الأرض وبقيت السماء, ولأنها كذلك فلن يضرّها سم الأفاعي ولا أنياب الذئاب ولا نعيق الغربان. فالوحدة قطار لن يتوقف سيره, فعرباته تحمل هذا الشعب العظيم, وعجلاته تسير على قضبان التطوير والتعمير والتغيير, وحارسها هو العلي القدير جل شأنه, جعل الوحدة خيارنا, والتوحد قدرنا, والالتئام سبيلنا, ونفضنا بالوحدة رق الفرقة وعبودية التشطير, وعرفنا من خلالها معنى العزة بعد الذلة, ومعنى الأمن بعد الخوف, ومعنى القوة بعد الضعف, ومعنى الوئام بعد الانقسام. ووحدتنا أبدية لن يشوّه جمالها الفاسدون, فمآلهم حتماً إلى زوال, ومآل الوحدة للبقاء ما دامت الأرض وبقيت السماء. «*» أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]