قبل سنوات من الآن وبالذات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الثاني تفتقت قريحة وزيرة خارجيته آنذاك الكوندا ليزا رايس وإدارتها عن مشروع استراتيجي يهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتغيير ملامحه كلياً أو جزئياً، سمي حينذاك بالشرق الأوسط الكبير، وفي تسمية أخرى الشرق الأوسط الجديد، وعلى هذا الأساس عملت امريكا من أجل إعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والسكانية للمنطقة العربية لتحقيق مصالحها أولاً، وترجيح الكفة لصالح إسرائيل البنت المدللة لأمريكا.. وهذا يعني خلق الكثير من الصراعات ودعم حركات التمرد والانفصال وزرع بذور الفرقة والشتات بين الشعوب، وتغذية الدعوات القبلية والطائفية والمذهبية والجهوية والمناطقية، وصولاً إلى الصدام الذي يفضي إلى تقسيم الدول العربية وتفريخ دول وأقاليم جديدة مبنية على أسس مذهبية أو طائفية أو عرقية وبما يتناسب مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية أيضاً. غير أن هذا المشروع لاقى ممانعة ومعارضة قوية من شعوب المنطقة كما أن الأنظمة لم تستسغه ورأوا فيه استهدافاً واضحاً للعرب وانحيازاً تاماً لإسرائيل، وهذا مالايمكن قبوله بهذه الصيغة التي تمنح إسرائيل كل الحقوق وتحرم العرب من كل الحقوق المشروعة، فتم اجهاضه قبل أن يولد، ولم تتمكن الكوندا رايس من إقناع كل الدول العربية المعنية لتنفيذه رغم حملة الترويج الإعلامي التي قادتها بحكم موقعها في رأس هرم الدبلوماسية الأمريكية كوزيرة للخارجية في حكومة بوش الثاني وماصاحبها من ضغوط على كل المستويات، فكان الاخفاق والفشل حليفها وخاب ظنها في تسويق مشروعها الجديد. ولأن المشاريع الأمريكية لاتسقط من الجولة الأولى ولا ييأس مهندسوها من إمكانية تحقيقها وأنها - حتماً - سترى النور إذا ما تمت تهيئة الظروف الملائمة والمناسبة لتنفيذها وإزالة الأسباب التي حالت دون نجاحها في الجولة الأولى، وعلى ما أذكر قالت الكوندا رايس إن الشرق الأوسط يجب أن يتغير وبأسرع وقت وعادت لتقول بعد ذلك لم يحن الوقت بعد ولكن الأمل قائم بإمكانية إحداث تغيير شامل في منطقة الشرق الأوسط بما يحقق السلام الدائم للمنطقة. وأعتقد أن نبوءة الكوندا رايس قد تحققت بأسرع مما كانت تتوقع وبدأت ملامح الشرق الأوسط الجديد تتشكل، سقطت أنظمة، وغابت زعامات، وقسمت دول، وتناحرت الشعوب فيما بينها بدعوى التجديد والإصلاح والحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير وعلى غفلة من الأنظمة، المشغولة عن شعوبها والبعيدة عن همومهم وحاجاتهم سقط الجميع في الفخ شعوباً وأنظمة ونجح مهندسو السياسة في إثارة الشعوب والعزف على وتر الأوضاع المعيشية والفساد المالي والإداري لينتفضوا مطالبين بالتغيير والإصلاح والتجديد لتتسارع وتيرة الأحداث وبديناميكية عجيبة تجعلنا في حيرة من امرنا ونحن نسمع تلك الهتافات المطالبة بإسقاط النظام وكأنه مطلب ملح لاتنازل عنه ولارجعة فيه، وكأن الإصلاح والتغيير أصبح مستحيلاً في ظل الأنظمة القائمة.. وفي غمرة هذه الأحداث المؤسفة التي تشهدها المنطقة العربية تناسينا ماجرى للسودان الشقيق الذي استقطع جزء منه وكان الانفصال خياراً مراً لابد منه, ولم نلتفت للفيتو الأمريكي المنحاز لإسرائيل، وسقطت غزة سهواً من ذاكرتنا ولم نعد نذكر معاناة أبنائها المحاصرين, كما لم نلق بالاً للمخططات الرامية إلى تمزيق وحدتنا ونسيجنا الاجتماعي ولهفنا خلف مطلب الشعب للتغيير وإسقاط النظام، وقريباً جداً سيكون لدينا شرق أوسط جديد «لنج» بقيادة (ماما) إسرائيل، ومبروك علينا مقدماً.