اتصل بي صديق عزيز وطرح السؤال التالي: أليس لهذه الأزمة عقلاء, وهل من مخرج؟ لم أهتدِ إلى جواب، ورحت استعرض مسار هذه الأزمة لعلي أصل إلى بدايتها, وبعد بحث عميق ظهر لي أنه لا بداية محددة لها ولكنها تراكمات غفل أو تغافل عنها الجميع حتى تغولت وأصبح من الصعب السيطرة عليها, هذا أولاً، وثانياً أن الحديث عن طول العهد في الحكم ينطبق على السلطة كما ينطبق على المعارضة فمنذ زمن لم نعرف رئيساً غير الرئيس ومنذ زمن لم نعرف رؤساء أحزاب سوى الحاليين وكلا الطرفين يطالب بالتداول للسلطة والمناصب وجاءت الموجة أو «التويسنامو» السياسي الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط من غير ميعاد ولا توقع, وهكذا تكون ضربات القدر عندما يكثر الخبث ويغيب العقل وينتشر الفساد. مشكلتنا أن طرفي الصراع لم يتوقعا ظهور طرف ثالث وأنهما وحدهما بُعدا الأزمة ولم يحسبا البعد الثالث، وكذلك كل المبادرات والحلول لم تشر إلى هذا البعد وإنما ظلت تدور بين السلطة والمعارضة، ثالثاً يعتقد كل طرف أنه الثقل الأقوى في المعادلة ويهوّن من إمكانيات الطرف الآخر كما لم يحسب للأغلبية الصامتة حساباً, وهذه الأغلبية قد تتحرك بدافع القبلية أو المناطقية لأنه رغم قيام الجمهورية منذ 49 عاماً إلا أنها لم تتمكن من إنهاء هذه الدوافع أو تخفّف منها. وأخيراً غاب عن هؤلاء جميعاً أن سنة الله تعالى في هذا الكون لا تتغير «ولن تجد لسنة الله تبديلا» وأن التغيير سنة من سننه تعالى ولكننا بين متعجّل ومتلكئ, فهذا يستعجل إحراق المراحل وقطف الثمار والآخر يحاول تأخير موعد التغيير وكلاهما خاسر. وسيخسر معهما الوطن وترتفع فاتورة التغيير وقد وصلت إلى الدماء وللأسف. كل هذا الصراع لن يؤدي إلى شيء طالما ظل البعد الثالث مستبعداً لم يؤخذ برأيه .. هؤلاء الشباب الذين يضرّسون اليوم بأكل الآباء الحصرم هم الذين قد يحسمون المسألة خاصةً وأنهم يستقطبون شباب الأطراف الأخرى وقد زرتهم في مخيّماتهم فوجدتهم خليطاً من كل الأحزاب سلطة ومعارضة وقد اجتمعوا وأجمعوا على أنهم لا علاقة لهم بكافة الأحزاب وإن كنتُ على قناعة أن هذا ليس صحيحاً على إطلاقه إلا أنني أؤكد على أهمية البعد الثالث وأنه لا حل بدونهم.